هل نعمل بما نؤمن به – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Monday June 1, 2015 37

هل نعمل بما نؤمن به – المطران باسيليوس (منصور)

الإخوة والأبناء الأحباء،
شعوب الشرق الأوسط كلها تحمل اسم الله على جباههم كعنوان لهويتهم، فلا يمكن أن تسأل أحداً، هل يؤمن بالله؟ لأن هذا السؤال، يُعتبر من المسلّمات أن يكون الإنسان مؤمناً بالله وأنبيائه واليوم الأخير. وإلى وقت قريب كان الناس يتخاطبون فيما بينهم بكلمات هي من صلب الأخلاقيات الإيمانية، ويطبقون ما يقولون. كانت كلمة واحدة تكفي لتقطع عهداً، وتدخل رجل أو امرأة من أصحاب الفضيلة، يكفي لحل المشكلة. فأين نحن من هذه الحالة، وذاك الوضع، كانوا يقولون فيصير القول عملاً. في هذه الأيام بدأت الأمور تتغيّر حول تطبيق مبادئ وأخلاقيات الإيمان بالرغم من أن الكثيرين ما زالوا يحملونها ويطبقونها. والسؤال المطروح هل نعيش نحن ما يعلّم إيماننا.

met.basilios-mansourيعلّم إيماننا عن احترام العائلة. نعم لا زلنا نفتخر بالعائلات المباركة التي أعطت لمجتمعاتنا أباء وأمّهات وأخوات، ومن كل جهات القربى،  ونتمنى أن تعود تلك الأيام، التي كان الجميع فيها يخشون الله بالفعل وليس بالكلام فقط نتيجة المبادئ السامية الإنجيلية الموجودة بكثرة في كلام الله، كان الناس يحترمون أباءهم ويعتني الأباء بأقربائهم، وبعض الأقرباء يُدعون إخوة، والقربى تتجذر في الأشخاص ومنها إلى العلاقة مع الأرض والملكيات كما، يورد الكتاب المقدّس،  حتى أن الرسول بولس يوصينا قائلاً: “من يهمل أهل بيته هو شرٌّ من كافر”.
لم يكن من الطبيعة فقط، حنانُ الوالدة على الأولاد، بل ومن الكلمة الإلهية، إذ كانت الوالدة تشعر عند القيام بمهامها الأمومية أنها ترضي الله. وعلى هذا يقول الرسول بولس: “والوالدة تخلص بولادة  البنين إذا ربتهم بحسب ربنا يسوع المسيح”. وكذلك الوالد انطلاقاً من القيام بالكرامة الإنسانية وحق القربى والصدق كان يكرّم زوجته وأهلها، ويصبحون عائلة واحدة، وهذا حتى في الغرب حيث يسمون الناس: أخ، أب، أم (بالقانون) وهذا تبرير لغوي لما يحصل للقربى عن طريق الزواج.
تكاثرت في أيامنا هذه حالات الخلافات العائلية بين الإخوة، والزوج والزوجة، وأفراد المجتمع، وذلك تحت تأثير أفلام، وإعلام هادف لهدم الحياة العائلية، والروحية. والكل لاهٍ بمصالحه الشخصيّة ومتمسك بها وواضعاً إياها فوق كل اعتبار. بينما المسيحيّة تعلّمنا عن الحياة الاجتماعيّة وحياة التعاضد والتعاون. أما الناس فيذهبون غير مذهب عابرين طرقاً عديدة، وإنما الحاجة إلى واحد، وهو طريقٌ، وضعه الله لنا بأن هذا العالم زائل وغير باقٍ ونحن راحلون عنه بأسرع مما هو راحل عنا. إذاً تقودنا هذه الأيام للعمل عكس ما يعلّم إيماننا وعكس ما نتكلّم عنه، أنّه يريحنا ونعمل مالا يعجبنا، غير ثابتين في قول الحق وطريق الإيمان. كثرت الخلافات، والكل يتمنى السلم والطمأنينة، ويعرف أنه بغير الله لا يستطيعون شيئاً بحسب قول داود النبي: “إذا لم يحرس الرب البيت باطلاً يتعب البناؤون، وإذا لم يحرس الرب المدينة باطلاً يتعب الحراس”. وقليلون هم الذين يعملون للسلم والطمأنينة.   
نسمي الكتب المقدّسة وندرك عظمة ما فيها ولكن لتبرير أنفسنا، إذ أننا لا نعمل بها، نتعلل بعلل الخطايا ونتجنب السلوك بما تقتضيه، لأنها لا تتطابق مع الطرق الموضوعة في دروبنا، بل توبخ ما صرنا إليه، من منا لا يتمنى أن تعيش عائلته حياة شريفة، وأن تُرزق أخواته أزواجاً صالحين، ويؤكد على ذلك الكتاب المقدّس في الكثير من المواضيع “ليكن المضجع مكرماً بلا عيب”، “افرح بامرأة شبابك”، و”لا تفض ينابيعك إلى الخارج” “فلما تفتن يا ابني بأجنبية وتحتضن غريبة” فأي امرأة لا تفرح بهذا الكلام وأي رجل صالح لا يجعله سبيلاً لحياته وفخراً لمسيرته. ولكن الكثيرين يقولون، وقليلون هم الثابتون في القول والعمل. ويطغى في هذا المجال صوت الأنانية فيعلل الناس لذواتهم  مالا يرضي الله ولا الصادقين والصالحين.
يقول أحد الآباء في بستان الرهبان: “إن صلاتي عليَّ لا لي” أي أنّه كان يقول:  من الليل تبتكر روحي يا الله بينما هو لا يصلي إلا عند طلوع الشمس. فدقته في ملاحظة ذاته جعلته يتأمل كيف يطبق كلامه، الذي يصلي به إلى الله.  كان تساؤله ليس فقط هل يصلي؟ أو لا يصلي، بل هل ينطبق وَضْعُهُ زمنياً ومكانياً في الصلاة على ما يرفعه إلى الله من عبارات وابتهالات وترانيم.
عندما نتضايق نحتاج إلى معين أو مُواسٍ. ونتمنى أن جميع الناس، يعينوننا في ضيقنا. وإذا لم نصادف مثل هذه المعاضدة نأخذ في اطلاق الأحكام ذات اليمين وذات الشمال. أما نحن ففي كثير من الأحيان نجد إنساناً مضطهداً فلا نعره اهتماماً أو محزوناً فلا نقول له كلمة تعزية ونقول حول ذلك أمثلة وأمثلة وكلها منطلقة من الفردانية والأنانية وليس من الشخصانية لأن الشخص بمشاعره وعواطفه وحقوقه وواجباته هو إنسان متواصل مع الجميع ويتعاضد  معهم.
في الماضي واعتماداً على  الكتب المقدّسة كان الناس يفرحون بالعطاء، وإلى هذه الساعة نسر إذا أُعطينا، ولكن نتجنب اللقاء مع المحتاجين ونعبِّسُ وجوهنا في حضرتهم، أليس هذا ضد الإيمان؟ والوصية تقول: “الله يحب المعطي المتهلل”، “لا تمنع الخير عن محتاجيه حيث يكون في طاقة يدك أن تفعله”، “لا تقل لصاحبك إذهب وعد غداً فأعطيك غداً، والشيء موجود عندك”.
أيها الإخوة الأحباء، كم هو مقدار الانزعاج الذي يصيبنا عندما نسمع أن الناس يتكلمون عنا بالسوء. فلنمتنع نحن إذاً عن المشاركة بالحكم على الناس أولاً لأنه لو سئل واحد في موضوع الحكم على الناس والحديث في شؤونهم لأجاب بكلام من الكتاب المقدّس أو بما يطابقه واعتبر أن هوى الكلام على الناس خطيئة وعيب. بينما إذا جرْبتَهُ في حديث عن الآخرين سيشارك ايجابياً وموافقاً للحديث الجاري من غير أن يعرف بالحقيقة شيئاً. أفلا يكون قد خالف قناعاته الضمنية أو انه يعيش بشخصية مزدوجة وهذا ضد تعليم الإيمان الذي يوافق الحياة السويّة.
هناك أمثلة كثيرة يمكننا أن نتحدّث حولها في هذا الموضوع مثل الوظيفة، والتعاهد – والحياة الطلابية الخ، وسنجد أن الإنسان حالياً يتصرف في كثير من الأحوال عكس ما يؤمن به. وهذا لأنه قد فك ارتباطه بالكلمة الإلهية، وبالقناعات الإيمانية. وصار كورقة في مهب رياح الخريف لا يُعْرَف له موضِعٌ أو مستقر . نصلي إلى الله أن يجعل حياتنا تتناسب مع ما يرضي الله لكي نكون أشخاصاً أصحاء يتطابق قولهم مع عملهم. ونعايدكم بمناسبة عيد العنصرة المجيد عيد حلول الروح القدس على الكنيسة، وكونوا أكيدين أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش ما لله وينسجم قوله مع عمله إلا إذا حاول أن يكون بالفعل هيكلاً لله ومسكناً لروحه القدوس.                                
نشرة البشارة
31 أيار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share