التضامن الفعلي – المطران سابا (اسبر)

mjoa Wednesday July 1, 2015 50

التضامن الفعلي – المطران سابا (اسبر)

لا شك في أن ضعف روح الصلاة الجماعية عند غير المصلّين في أيّ رعية أو أبرشية، مرتبط بعدم وعيهم للوحدة المفروض أن يكونوا عليها، نتيجة عضويتهم في الكنيسة. فهم لا يعون كفاية أنّهم عائلة واحدة، وجسم واحد لرأس واحد، هو الرب يسوع المسيح. الكنيسة، بالمفهوم المسيحي، جسم واحد، ذو أعضاء متعددة ومتنوعة، تتكامل من أجل إحياء الجسم الذي تؤلفه، وتمنحه حياة سليمة ووافرة. فكما تتناغم أعضاء الجسد مع بعضها بعضاً لتشكل جسداً متناسقاً سليماً، هكذا يتناغم أعضاء الكنيسة الواحدة ليكمل بعضهم نقص بعضهم الآخر، ويبني بعضهم بعضاً، ليرتفعوا بأوامر رأسهم الأوحد، المسيح، بنياناً مرصوصاً وجميلاً.

tadamonيتم تعاطي الأكثرية مع الكنيسة من منظور يجعلها جسماً اجتماعياً محضاً. فهي في نظر هؤلاء مجموعة من البشر الذين ولدوا وتسمّوا، وفق نظام بلدان الشرق، على مذهب أبيهم. يربطهم هذا المذهب الديني بأعياد وتقاليد وأذواق تنبع من لاهوته، لكنهم يقفون عند حدود التعبير عن هذا اللاهوت بشكله الخارجي. فتصبح الكنيسة عندهم مكاناً لحفظ هذا الفولكلور، أو، كما هو الحال في هذه الأيام، هيئة للاهتمام بهم معيشياً في أوقات الشدّة، كونهم ينتمون إليها اسمياً، وهي في نظرهم المسؤولة عنهم معيشياً، وحتّى أمنياً في بعض الظروف الحرجة، يلجأون إليها عندما لا يجدون ملجأ آخر. وهذا في حدّ ذاته ليس عيباً. فالإنسان يتذكر أمه، ولو بعد هجران طويل، عندما لا يجد صدراً حنوناً يمنحه الدفء العاطفي والأمان الداخلي. والأم تبقى أمّاً، مهما هجرها ولدها وتنكّر لها، فتظل فاتحة قلبها وذراعيهاله بفرح كبير. لكن المعضلة القائمة اليوم أن المؤمنين الذين هجروا كنيستهم، فعلياً لا اسمياً، يلجأون إليها مطالبين إياها بما ليس في قدرتها ولا في حوزتها. فمحدودية موارد الكنيسة الراهنة عائدة إلى إهمال الكثيرين منهم لواجبهم تجاهها طوال سنوات.
الغريب أن الكثيرين يطلبون منها معتقدين بأنها تملك ما يطلبونوأنها قادرة على إعطائهم إياه، لا بل مجبرة عليه طالما أنهم يطلبونه.
لا يصدق كثيرون أن كنيستهم ليست قادرة على تأمين كل حاجاتهم وفقاً لما يرتأون. ويعزون عجزها إلى إهمال لهم لا إلى نقص في مواردها، ولا يرون أنفسهم مقصّرين في هذا المجال. والأغرب من ذلك، أنهم لا يسألون أنفسهم عن مصدر حصول كنيستهم على الموارد المادية اللازمة. ولا يطالبون أنفسهم بدعمها على هذا الصعيد. لا بل قد يصل الأمر ببعضهم، عن بساطة أو عن جهل، لست أدري، في أن يعتقدوا بأنها تحصل على مساعدات كبيرة وكفى. هم لا يزعجون أنفسهم بالاستفسار المهذب حتى عن مصدر هذه المساعدات. في لقاء لي مع أهل إحدى القرى قيل لي علناًإن المطارنة يتلقون مساعدات من الجهات الكبرى!!! ولم أعلم حتى اليوم سبب هذا الاعتقاد المغلوط، وهم بدورهم لم يوضحوا لي من أين استقوا هذه المعلومة ولا ماذا يقصدون منها!!
مصدر الكنيسة المادي الوحيد هو تقدمات أبنائها العينية أو النقدية واستثمار الأوقاف التي تركها أجدادهم. يطلب الكتاب المقدس من المؤمن تقديم عشوره “هكذا تقدمون أنتم أيضاً تقدمة خاصة للرب من جميع الأعشار التي … عشر محاصيل الأرض كلها من الحب ومن ثمر الشجر يكون للرب … وأما البقر والغنم، فالعاشر من كل ما يمر منها تحت عصا الراعي يكون للرب”(عد28/8؛ 27/30، 32). ويطبق أبناء الكنائس البروتستانتية عموماً، وفي أميركا بشكل خاص، وكذلك الكنيسة القبطية، هذه الوصية حرفياً، وفق نوعية المدخول والرزق في عصرنا الحالي. يؤمن الأقباط، بكل تقوى، أن عشرة في المئة من مدخولهم هي من حق الله، ويتداولون القول المعروف في أوساطهم “دي حصة ربنا”، فيقدمونها للكنيسة حقاً واجباً عليهم، باعتبارها أمانة في أعناقهم يجب أن تعود لله الذي وهبهم كل مدخولهم. ومن ثم يتبرعون من التسعين في المئة المتبقية. ولذا نجد أن الكنيسة القبطية، التي ليس لها سند قبطي خارجي، كنيسة ناشطة جداً روحياً واجتماعياً وكذلك على صعيد البناء والمؤسسات الخيرية. تأخذ من أبنائها بسخاء، وتخدمهم، تالياً، بسخاء.
الأمر متبادل. فعندما يسخو أبناء البيت على بيتهم يعود سخاؤهم عليهم بالنفع. إنهم في النهاية يقدمون لأنفسهم طالما أنهم يؤمنون بأنهم جسد واحد لرأس واحد. عبثاً علّمت أبناء أبرشيتي مراراً وتكراراً، أنكم إن سخوتم على رعيتكم فأنتم تسخون على أولادكم بالأقل. فصندوق كنيستكم يصرف محتواه على تنشئة أولادكم وإعانة فقرائكم وأدوية المحتاجين من مرضاكم. ولكن صندوقهم ظلّ فقيراً،وكذلك عدد المصلّين بمواظبة، بالطبع.
اعتادت الكنائس أن تساعد بعضها بعضاً، سواء على صعيد الرعايا في الأبرشية الواحدة أو على صعيد مساندة الأبرشيات لبعضها بعضاً. ولكن أن تبقى أبرشية عقوداً من الزمن لا تستطيع أن تؤمن كفايتها في المستوى الذي يحفظ لها الاستمرار، فهذا لعمري دليل موات حقيقي.
علينا جميعاً، في هذه المحنة التي نجتازها، أن نعود إلى الصلاة المشتركة وأن نكتشف مدى عمق الوحدة الروحية القائمة فيما بيننا. إن لم نتحرك في هذه الأيام المأساوية فلن نتحرك أبداً، وأخص بالذكر أبناءنا المغتربين والميسورين؛ وأذكّر الفقراء بفلس الأرملة.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share