القداس المسائي – المطران سابا (اسبر)

mjoa Tuesday August 25, 2015 127

القداس المسائي – المطران سابا (اسبر)
ثمّة ظاهرة باتت تستدعي التوقف جدّياً عندها. إنّها القدّاس المسائي،الذي بات، خاصّة، بطريقة إقامته غير المدروسة عموماً، يطرح أسئلة عديدة، لا بدّ من مواجهتها.

koddasيُقام القدّاس الإلهي ليلاً في الأديرة بعد سهرانة طويلة تدوم عدداً من الساعات، فيكون هو تاج السهرانة، وهدف جهادها. أمّا في الرعية فقد لجأ بعضهم، هنا وهناك، إليه انطلاقاً من عدم تمكّن غالبية المؤمنين من المشاركة فيه صباحاً بسبب ظروف عملهم. إذن هو عمل تدبيري، يهدف إلى إشراك العدد الأكبر من المؤمنين في سرّ الشركة الكنسية.
تفهم الكنيسة التدبير تغييراً أو تجاوزاً لبعض القوانين غير العقائدية، عندما تصير هذه عائقاً أمام تحقيق الهدف الذي وُضعت أصلاً من أجل البلوغ إليه.
درجت الممارسة الكنسية، في البلدان الإسلامية، على إقامة القداس الإلهي يوم الجمعة من كلّ أسبوع، وذلك من أجل تمكين الطلاب والموظفين من الاشتراك فيه، عوضاً عن يوم الأحد. أمّا إقامته مساء الأحد، فبدأت تنتشر في الآونة الأخيرة، ما يطرح أسئلة عديدة. كيف يكون الصوم التحضيري في هذه الحال؟ يبدأ اليوم الليتورجي بحسب تقويمنا بالغروب، وفي هذه الحالة يكون القدّاس قد دخل يوم الاثنين وليس الأحد، فلماذا لا نقيمه مساء السبت، حيث الخدمة الليتورجية، غروباً أم سَحَراً، متمحورة حول القيامة، حول يوم الرب؟ وإذا ما أقمناه مساء، فلماذا لا نقيم معه السَحَر أو الغروب؟ أو أقلّه، لماذا لا ندخل إليهمن صلاة الغروب، جرياً على تقليد إقامته في بارامون الأعياد الكبرى؟ ما هو تأثير إقامته، منفصلاًعن خدمة السَحَر،على روحية المؤمنين مع الزمن؟
إلى ذلك، يُلاحظ انتشار عادة إقامته بالعدوى، دونما تفكير، مساء اليوم الذي يسبق عيد ما مهم. هذا يُفهم على الأقل إذا وقع العيد في أحد أيام الأسبوع خارج العطلة الأسبوعية. والغاية من إقامته مساء هي تيسير المشاركة في العيد للذين لا تسمح لهم ظروف العمل أو الدراسة بالمشاركة صباحاً. حسناً… فلنطرح بعض الأسئلة هنا أيضاً. ألا يشارك المؤمن في العيد إلا في القدّاس الإلهي؟ في كنيسة غنية جداً بليتورجيتها، لماذا نحرم المؤمنين من هذه الخِدَم بحجّة القدّاس الإلهي؟ ما انعكاس هذا التقليد الناشئ مع الزمن عليهم روحياً؟ ألن ينسوا الخدم الأخرى وجمالها؟ لماذا لا نعيّد بإقامة خدمة غروب العيد مع “الليتين”،؟ والزيّاح بأيقونة العيد وتبريك الخبزات الخمس، ومن ثم توزيعها على المؤمنين؟
كما أنّ اقتصار الحياة الليتورجية على القدّاس فقط، كما يبدو من ممارستنا في السنوات الأخيرة،ألا يحرم المؤمنين من غنى الصلوات الأخرى ومن اغتناء نفوسهم بها وبما تمنحهم إيّاه من مناخ يهيئهم، روحياً ونفسياَ، وحتّى عصبياً، للقدّاس الإلهي؟ كيف يُعوَّض هذا النقصان؟
ويبقى السؤال الأهم: لماذا نقيمه مساء إذا وقع العيد في يوم عطلة؟ ما الهدف؟ ماذا نريد أن نقول للمؤمنين؟ ما انعكاس الأمر عليهم روحياً؟ ولماذا يقام مساء في جميع كنائس المدينة الواحدة؟؟!! ولا يقام في واحدة منها صباح العيد؟! كيف يتحضّر المؤمنون له يوم العطلة؟وعلى سبيل المثال، كيف احتملوا الانقطاع عن الماء، بعد وجبة غداء، في الحر القاسي الذي رافق عيد السيدة هذا العام؟
يُطرَح السؤال نفسه عن إقامته مساء في أيام الأسبوع العادية؟ ما أهميّة ذلك؟ لماذا نسعى إلى تشجيع المؤمنين على القدّاس أكثر بكثير ممّا نعلّمهم كيفيّة عيش التوبة وممارسة الاعتراف عملياً. لماذا لا نخلق لهم جواً روحياً صلاتياً ينمّي فيهم حسّ التخشّع وفحص الذات؟ لماذا لا نهتمّ بإقامة رياضات روحية لهم؟وكذلك أنشطة تهدف إلى تنمية حسّهم إلى أهميّة القدّاس وإلى كيفيّة المشاركة الحسنة فيه؟ أو نذيقهم حلاوة إقامته باكراً في بعض المناسبات؟ فالتساهل غير المدروس قد يسبّب أضراراً ليست أقلّ من تلك الناجمة عن التشدّد الصارم.
بات الإقبال على الاشتراك في جسد الرب ودمه روتينياً، إلى حدّ كبير، عند الكثرة من المؤمنين،إذ صار التناول هدفاً بحدّ ذاته، مفصولاً عن مسيرة الإنسان الروحية والأخلاقية والمسلكية. أمّا السعي الدائم إلى النقاوة الداخلية والخارجية، فأمر قلّما يتنبّه المرء له. في جو مترّدٍ روحياً، تزداد الاستهانة بالصوم التحضيري للمناولة، والاستهانة بدورها تؤثّر على حياة التوبة، فيصير القدّاس مجرّد واجب ديني لا لقاء عشقياً بالربّ. فهل هذا هو المطلوب؟
مختصر الكلام. علينا أن نقيّم خبرة القدّاس المسائي بكل جدية، وألا ننسخ تجارب الآخرين كما هي، بل نستفيد منها بما يناسب وروحانيتنا. لا نتذرعنّ بالتغيرات المجتمعية بتساهلٍ ودون إدراك لانعكاسات التغيير والتجديد. لنقيّم كل شيء بروح صلاة وتمحيص وتفكير ومشاورة، وإذا ما وجدنا أنه يساهم في خلاص المؤمنين فلنتابع، وإلا فليس لنا أي عذر في عدم العودة عنه.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share