ربع قرن في خمسةٍ وعشرين عامًا ولادةُ رهبنةِ “عائلة الثّالوث القدّوس”

mjoa Monday November 2, 2015 118

doumaربع قرن في خمسةٍ وعشرين عامًا ولادةُ رهبنةِ “عائلة الثّالوث القدّوس”

   اليومَ تمَّم الرّبُّ يسوعُ المسيحُ وعدَهُ لحفنةٍ من أبنائِهِ قائلاً: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا” (يو ١٥: ٥)… لأنّي “أنا هو الألفُ والياء… البداية والنّهاية” (رؤ ١: ٨)…

   هكذا قالَ الإلهُ الرّبُّ، وهكذا سيبقى القولُ من جيلٍ إلى جيلٍ، حتّى تتمَّ الأيّامُ، فيكتملَ الوعدُ الّذي قطعه السّيّدُ يسوعُ، “للمطران جورج (خضر)” و”للأب الياس (مرقص)” و”للأب صفروني (سخاروف)” ولحفنةٍ من الّذين قبضَ حبُّ الإلهِ على أفئدتِهم وأعماقِ كياناتِهم بالرّوحِ القدس، ليبنيَ عليهم بيتًا حاملهم، معلّقهم وزارعهم على جبالٍ عاليّةٍ، في ديرٍ خربٍ لعيشِ جهاداتِ الحبِّ والتوبة الرّهبانيّةٍ… ربّما لو عرفتْ تلك المجموعةُ الصّغيرةُ قَحْطَها وخطاياها وصعوباتِ تدجينها، لكانت هربت عائدةً إلى كنفِ هذا العالمِ المائتِ… عالمِ العنفِ والقتلِ والحربِ وبعض الرّهاناتِ عليهم، أنّهم لن يكمّلوا هذا الجهادَ ولا لسنةٍ واحدةٍ…

   اليومَ يتمنطقُ فجر الثّلاثين من شهر تشرين الأوّل عام ٢٠١٥ عبوس الشّمس وصقيع المطر المنهمر والعواصف اللّافّة غبار وأقذار الإنسان المرميّةِ في الشّوارعِ، ليبدأ العيدُ لمجموعةٍ صغيرةٍ كانت وما زالت تنمو بوعي خطيئتها وبمدِّ الرّوح القدس، لحياةٍ جديدةٍ متجدّدة بعد خمسٍ وعشرين عامًا من الدّخولِ إلى حلبةِ الصّراع مع غوائل الأيام والحرب الدّاخليّة والخارجيّة الّتي بدأت عام ١٩٧٥ ولم تنتهِ بعدُ…

douma2   اليوم تجتمع الأفئدة، والعيون تتمدّد إلى وعد شمس القيامة المرسومة على الصّليب والمعلَّق عليها كلُّ نفسِ راهبٍ وراهبةٍ للوصول إلى التّوبةِ ولقيا شمس العدل الّذي ما زال معلّقًا على صليب مجده!!!. باسطًا يدَيه الطّاهرتَين لاستقبال، ومَسْحِ دموع وجراح كلّ آتٍ إليه، وتاليًا، لهذه المجموعة الرّهبانيّة الّتي تأسّست عام ١٩٩٠…

   اليوم يصيرُ الحبُّ وَلَهَ صمتٍ ودموعَ توبةٍ وترجٍّ لتعلّمِ الاتّضاع، كي يتسقّطَ التّائبُ الحدث فيسمع الصّوت: “احفظ يا ربّ هؤلاء الّذين نذروا أنفسهم لك وللسّيّد القدّوس وحده يسوع المسيح، واعدينه أنّهم لن ينزلوا عن صليب مجده الّذي صلبه الآب عليه ومن ثمّ صلبهم يسوع الابن عليه، ليحيوا من أكل فتات جسده الواقع تحت موائد الكنيسة، وشرب دمه المجيد من طعنة جنبه، الّتي، لمّا صُلِبت الجماعة عليه، تحلّقوا كلّهم حولها ليبلّلوا الشّفاه واللّسان والحلق والكيان في عطشهم…

   اليوم تجتمع الوجوه الآتية من بطون الشّعوب المزروعة في تاريخ هذه البلادِ لتجدِّد قولَةَ؛ “النّعم”، لسيِّدها، ربّها وإلهها يسوع المسيح، حاملة وَعْدَ الصّدق وكلمة حقّ الإنجيل، ببركات ودموع وجهادات توبة وتضرّع صلوات للّذين زرعوها في هذه البقعة من أرض بلادنا…

   اليومَ نقف كلّنا حول مائدة الحمل الذّبيحِ لِنَقْرَبَهُ فاتحين أفواه قلوبنا، عقولنا ونفوسنا، لنغتذي بالأكلة الّتي يجدّدها لنا، صارخًا بدموعنا وقصدنا: “خذوا كلوا هذا هو جسدي… اشربوا منه كلّكم هذا هو دمي”…

   اليوم نحني الهامة ونخفض شرارة العين متمتمين: “لا لنا يا رب… لا لنا… بل لاسمك أعطِ المجد… فلا تتركنا يا سيّدنا، ويا أبانا إلى الانقضاء… شدِّدنا، ثبّتنا… توِّبنا إليك… أنر عقولنا وحسَّ نفوسنا ووعينا حتّى ندرك أنّك أنتَ اليومَ تجدّد اختيارك لنا، فتسمّينا باسمك لنأتيك حاملين أهواءنا وخطايانا لتمسحها عنّا ومنّا حتى إذا ما دعوتَ أحدًا منّا، تصمتُ الجماعة لتهدأ إلى سرّك فتجيبك: “نحن لك يا الله… تمّم قصدك فينا، وازرعنا منارات لا تنطفئ حتّى بإنعاماتِ حبِّكَ وتمتمات صلواتنا، وجهادات توبتنا عن خطايانا، نلتقيك في وجه كلّ فقيرٍ ومحتاجٍ وفي كلِّ يدٍ ممدودة لتأخُذَ خُبْزَ حياتك منّا فريضةً لها ولكلِّ عقلٍ يسعى لاستنباط المعرفة من خارج وصاياك كي يعود إليكَ بنا وبآبائنا… إن أنت ارتضيْتَ هكذا يا إلهنا، ربّنا ومخلّصنا”…

douma3   يا ربُّ يا ربّنا… في ركعتنا كلّنا اليوم أمامك، مقدّمين ومجدّدين الوعد أنّنا لن نخون كلمتك، وإذا ابتعدنا نحن عنك هنيهات، إئتِ بنا إلى حضنك، لنسجد إلى قدميك غاسلينها بدموعنا وماسحين وجهك المدمّى على صليب مجدك لأجلنا بأكفِّنا حتّى نتطهّر بلمس خشبة صليبك…

   يا مسيحنا… يا ربّنا.. اسمع صوت نشيج أرواحنا… وتوبْنا إليكَ!!. إنْهِ قوّةَ واقتدارَ العدوّ المراوغِ في نفوسنا، في بلادنا وعالمك أجمع… اغفرْ خطايا البشريّةِ الّتي نقترفها نحن دائمًا فنصلّي بتواترٍ، بدموعٍ وتسليمٍ عن العالمِ أَجْمَع ليخلصوا بكَ…

   أَطعمْ الفقراءَ جسدَكَ واسقِ العطاش دَمَكَ وحقّق اقتدارك فينا بوعيٍ، حتّى نؤمنَ بكَ أنّك أنتَ أنتَ وحدَكَ الرّبُّ الإلهُ وأنّ العالمَ كلّه لن يعرفَ سواكَ ربًّا، آبًا، وابنًا وروحَ قدسٍ وأنّنا نأتيكَ اليوم مجدّدين توبتنا ورجعتنا إليكَ لِتُسامِحَنا…

   إقبل يا ربّي توبتنا هذه… إسمع صوتَ تراتيل أَسحارنا وليالينا… ضعْ يدك على كياناتنا حتّى لا ننظُرَ إلّا وجهكَ ولا نرى إلا نوركَ ولا نشهد إلا لاسمك القدّوس بحرقةِ وحنينِ عودة الابن الشّاطرِ إليك… نقي نيّاتنا، وجدّد سعينا…

   لا تخذلنا يا ربّي، لا تخذلنا إلى الانقضاء، بل باركْ توبتنا إليك، لأنّكَ إن كنتَ للآثام راصدًا يا ربّ، يا ربّي من يثبت، فإنّ من عندك هو الاغتفار…

   آمينٌ لنا، وعنّا ولكلّ الّذين اخترتهم فقدّمتهم وقبلتهم اليومَ عائدين إليكَ، لتجدِّدَ ولادتنا منكَ ولكَ، آمين…

الأمّ مريم

 

douma1

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share