في إنجيل الغني وألعازر الفقير – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Monday November 9, 2015 77

في إنجيل الغني وألعازر الفقير – المطران باسيليوس (منصور)
باسم الأب والابن والروح القدس. آمين.
الإخوة والأبناء الأحباء،
في إنجيل الغني وألعازر الفقير:
ينهي ربنا يسوع المسيح كلامه على لسان إبراهيم أنًّهُ إذا لم يسمعوا للأنبياء فلن يسمعوا حتى ولو قام واحد من بين الأموات.
في هذا الرفض، تنبّأ الرب عن عدم إيمان اليهود المستقبلي، عندما سيقوم هو من بين الأموات، وتركيز على قساوة القلب الذي لا يحتوي فضيلة التواضع.

الغني-وألعازر-الفقيرالكلمة هذه قالها بشكل ثانٍ عندما توجه إلى تلاميذه في الإنجيل  قائلاً: “من سمع منكم قد سمع مني، ومن سمع مني فقد سمع من الذي أرسلني”. فكيف يسمع الكلمة من أغلق باب قلبه بالامتلاء من ذاته أو العالم وكلاهما يأسران الإنسان خارج السماع واللطف والطاعة والفهم والإدراك، ولهذا حاول الشيطان أن يلقي ربنا في تجارب من مقاسات هذا العالم، ولكنَّ رمز التواضع والتنازل ردَّ عليه بكلام من كتاب الله ردّدَه طائعاً للذي قالها “لا تجرِّب الربَّ إلهك”.
أيها الإخوة الأحباء قد يظن البعض أن الإنسان بإرادته يستطيع أن يأتي إلى الله ويسمع كلمته أو لا يأتي.
نعم الإنسان حر أن يأتي إلى الله بقرار ذاتي ردَّاً على مبادرات الله ولكنه لا يستطيع أن يأتي من المرحلة التي يريدها بل ينتقل بالمراحل القدسيّة بحسب إرادة الله، والله يعطيه ما يشاء، ويتقدّم به إلى حيث يستحق.
كثيرون يجاوبون عندما تدهمهم الصعوبات أو تحيط بهم الضيقات، أين هو الله؟ لماذا لا يتدخّل؟. فهل إذا تدخّل الله يغيّر من عقولنا وتصرفاتنا وتلين قلوبنا؟ نعم من الممكن أن تلين عند المؤمنين.
ولكن ما هو مصير غير المؤمنين؟ سيعطونها تفسيرات من هنا ومن هناك، وسيتابعون يومياتهم كما اعتادوها وتربوا عليها، أي كما علمهم مجتمعهم ولن يلقوا بالاً.
مَن مِن الناس لا يعرف أن الموت آتٍ؟ مَن مِن الأغنياء لا يعرف أن ما يجمعه على هذه الأرض لن يذهب معه إلى القبر؟ هذا كله مذكور في الكتب المقدّسة. ألم يقل ربنا يسوع المسيح: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه”.
إن ما اختبرته الأجيال قاطبةً وثبتت حقيقته، مدونٌ في الكتب المقدّسة، بالكلام الإلهي وذلك تدويناً للخبرة في الحياة الواقعيّة. فهل يحتاج الإنسان لأحد الأموات ليصدق ما يختبره في ذاته ويعجبه.
لسنا بحاجة أن يقوم أحد الأموات لنؤمن. لأن الحقيقة أكثر إقناعاً من ميت يقوم. لقد قام أموات ودخلوا المدينة المقدسة شهادة على قيامة ربنا يسوع المسيح فهل انفتحت عقول اليهود ولانت قلوبهم وآمنوا.
ألم يصنع أمامهم عجائب كثيرة؟ ألم يقم لهم الأموات ابنة يايرس؟ ابن الأرملة؟ أليعازر؟ ألم تشتد عداوتهم له بعد إنهاض لعازر الذي بدأ جسده بالتعفن؟ كم من العجائب صنع الله على أيدي الرسل؟ وسعى اليهود والرومان لاضطهادهم وقتلهم ولا يزالون يعملون المؤامرات في حق أتباع الناصري المصلوب والقائم من بيت الأموات. الرحمة لا تصنعها الكلمات الآنية. الرحمة تدريب وتنقية وتكثيف مشاعر وتقبل النعم الإلهية.
الكلمة الإلهية ليست مجرد كلمات نرددها كنظريات. الكلمة الإلهية فيها وجود، ومعاني، والمتردد عليها تكسبه قوّة مجنّحة صعوداً في الشعور مع الناس.
المؤمن الحقيقي لا يحتاج لمقوّيات، ولا شهادات من هنا وهناك لأنه على مثال العذراء سيقول ها أنذا عبدٌ للرب، أو ها أنذا أمة للرب. وهذا ما فعله قديسون عظماء أمثال بولس الرسول. سمعان العمودي، أنطونيوس الكبير وغيرهم وغيرهم من الذين تأثروا بكلمات البشارة فأعلنوا الله هدفاً أولاً لهم. هؤلاء لم يحتاجوا لأحد الأموات ويشهد لهم لكي يفعِّلوا حياتهم في شريعته. بل اكتفوا بالكلمة الإلهية وفعَّلوها في حياتهم حتى صاروا هم كلمة وبشارة للذين معهم وللذين من بعدهم.
أيها الإخوة الأحباء كلنا مقتنعون بأن ما في الكلمة الإلهية أي الكتب المقدسة تؤدي إلى السبيل الأفضل وإلى الحياة المثلى التي يتمناها في هذه الدنيا المؤمن والملحد. وكما يقول الرسول بولس لتلميذه: “صادقة هي الكلمة الجديرة بكل قبول واظب على مطالعة الكتب المقدّسة القادرة أن تصيرك حكيماً للخلاص”.
طالما أن هناك طريقاً ما في متناول أيدينا لنثبِّت لنا أحقيّة الرجاء الآتي، ونعمل بما يناسب هذا الرجاء والهدف أي الغاية فنكون على ما يريده الله منا، فالله لم يتدخل طالما أن الطريق ومعالمه موجودة. بل يتركنا لحريتنا لأننا نحن نحب العبودية والفرض وعدم الاختيار، نطلب دائماً ما طلبه الغني لأهله أي “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” إننا نطلب عجائب وظواهر، وهذا يشكل لو صار ضغطاً على ذهن الإنسان ويجبره على المسير كما يريد المُعلِنُ. ولهذا بعد أن أعلن الله صِدقه بالأنبياء والرسل وبطرق مختلفة ما عاد يخاطبنا إلا لماماً بطريقة مباشرة. فالكلمة عندنا والكتب بين أيدينا وكلها قد ثُبِّتت وبُرهنت عبر العصور وظهرت أهميتها وجديّتها.
فيا أيها الإخوة والأبناء الأحباء، داوموا على مطالعة الكتب المقدّسة، وعيش ما يخبرونه فيها من نواهي وأوامر وطلبات وتعليمات وطرق فاضلة لأنها وحدها الجديرة بكل قبول والقادرة أن تصيِّركم حكماء للخلاص.
أسأل الله في عيد رؤساء الملائكة                                                    لكم ولعائلاتكم والمختصين بكم                             كل الخير والبركة والحياة المقدّسة.                           
نشرة البشارة
08 تشرين الثاني 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share