اللِقاء الاخير ضِمن سِلسلة الأحاديث الروحيّة في الميناء
كان ضيف اللِقاء الاخير ضِمن سِلسلة الأحاديث الروحيّة التي يُنظمها مجلس رعية الميناء وحركة الشبيبة الأرثوذكسية لِزمن الصوم الأربعيني المُقدّس، مسؤول القِسم الداخلي في معهد القديس يوحنّا الدِمشقي – البلمند قدس الارشمندريت الدكتور يعقوب الخوريّ الذي قدّم بعد صلاة النوم الكُبرى لِمساء الثلاثاء الواقع فيه 2016/04/19 حديثاً حمل عُنوان : ” قيامة الربّ وقِيامتي ” بِمُشاركة ًقدس المُتقدّم في الكهنة غريغوريوس موسى والأب باسيليوس دبس ولفيف من المؤمنين.
بِدايةً كانت كَلِمَة ترحيبية لِلأب غريغوريوس أشاد فيها بِالزائر الكريم واصِفاً إياه بأنَّهُ ممن لديهِم الحكمة والإيمان، وموهبة التعليم، مُلتمِساً بركة الله وبركته وأن يُنعم على الجميع بِهذا الموضوع الذي يُوِّدُ الحديث عنه.
وبِدوره شكر الأب يعقوب الأب غريغوريوس والأب باسيليوس ومجلسي الرعيّة وفرع الميناء في حركة الشبيبة الأرثوذكسِيّة على دعوتهم الكريمة مُتمنِياً صوماً مُباركاً لِلجميع.
واستهل حديثه بِطرح العديد مِن الأسئلة وأهمها:
– ما هو المرض؟
– ما هو الموت؟
– من هو الحياة؟
وجاء تعريف المرض أَنَّهُ غِياب الصِحّة، وأن الموت هو غِياب الحياة التي هي المسيح.
وذكر قُدسِه، أن الربّ يسوع أجاب الشيطان عندما حاول أن يُجرّبه قائلاً له :” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بِكُل كلِمة تخرجُ مِن فم الله “، موضِحاً أن الله هو مصدر الحياة وأن الخبز والطعام لا يعدُوان كونهُما وسيلةً لها.
وبِسياق آخر، شرح معنى قول سِفْر التكوين :” خلق الله الإنسان على صورته ومِثاله” الذي تفسيره أننا خُلِقنا شبيهين لله، ويُمكِنُنا الدخول بِعلاقة غير مُنتهيّة معه.
ولِذا نجد في الكنيسة كِبار القديسين وصِغارهم كنجومٍ تسطع في كبِد السماء بِنِسبٍ مُتفاوتة، وكذلك المحبة والنجاح يتفاوتان مِن شخصٍ لآخر وِفق الدرجات التي نُحدِّدها نحن كما يتضح مٍن قول الربّ لِلمرأة الزانٍية : ” غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبّت كثيراً”.
وتابع بِقوله أن الربّ خلق الإنسان كي يعيشَ ويحيى مع الله الى الأبد، مُعطياً مِثالاً في علاقتنا معه، بِحَيثُ أنّنا عندما نستنير مِنه يرانا العالم، وبِالمُقابل لا بدّ أن نقع في الظُلمة في الحالة المُعاكِسة، كالواقف تحت الشمس مُغمِض العينين مُفضِلاً العتمة على نورها.
وبِهذا الإطار تطرق الى انحِدار آدم الذي سبقه سقوط الشيطان سيفورس بعد أن كان ملاك نور لأنه رفض الله ووقع في الظلام، وهو المكان أو الحالة التي يُعبَّر مِن خِلالها لِلربّ أنه لا يريده.
وأكمل الأب يعقوب ، أن الشيطان ابليس هو سيّد الظلام والموت، الذي تسلَّط على الإنسان الذي سمح له بِالتغلِّب عليه، وأنه عندما نرفُض الحياة لا بدّ أن نُلاقي الموت كما فِعل آدم الذي أورث الجنس البشري الظُلمة التي كان فيها.
وبعدها، تناول الأب الخوري، كيفِيّة تجلّي إرادة الرب بِتخليص الإنسان مِن الظُلمة، عبر تنويرها بِالسكن فيها كإله لا يموت ، وكيف لهُ أن يموت وهو الحياة؟
ولِماذا مات آدم أساساً؟
المسيح ليس لديه أي خطيئة كي يموت، كما حصل لآدم بِسببها، لكن محبّته لِلإنسان هي التي حدت بِه الى التنازل الإلهي ولِبس طبيعتنا البشرية وقُبوله الموت كي يُجنِبنا الإبتِعاد عن الله، وأنّه بِهذه الطريقة دخل في الجحيم المُظلِم وفجَّر النور في وسطه.
مِن أجل ذلك نقول في الفِصح كما يقول يوحنّا الذهبي الفم: ” تمرمرت الجحيم لمّا صادفتك، تمرمرت إذ هُزِئ بِها، تمرمرت لأنها قد أُبيدت لأنها صفدت، تناولت جسداً فألٍفته إلهاً….”.
فضلاً همّا ورد في الإنجيل عن لحظة موت الربّ يسوع على الصليب : ” وإذا حِجاب الهيكل قد انشق الى اثنين مِن فوق الى أسفل، والأرض تزلزلت والصُخور تشقَّقت، والقُبور تفتحت وقام كثيرٌ من أجساد القدّيسين الراقِدين وخرجوا مِن القُبور ….”
زيادةً، ما ورد في طروبارية النبي السابِق يوحنا المعمدان : ” تذكار الصديق بِالمديح، فأنت أيها السابِق تكفيك شهادة الربّ، لأنك ظهرت بِالحقيقة أشرف مِن كل الأَنبِيَاء ، إذ قد استأهلت أن تُعمّد في المجاري مَن قد كرز به، ولِذلك جاهدت عن الحق مسروراً، بشّرت الذين في الجحيم بِالإله الظاهر بِالجسد، الرافِع خطيئة العالم، والمانح إيّانا الرحمة العُظمى”.
وتمحور الشِق الثاني مِن اللِقاء حول ” قِيامة المسيح ومفاعيلها ” ، كيفِيَّة عيشها في الحياة اليوميّة، ومن أين تأتي؟
في هذا المٍحور أوضح قُدسِه طلب الربّ يسوع لِتلاميذه في إنجيل متّى : ” اذهبوا وتلمِذوا جميع الأمم وعمدّوهم بِاسم الآب والإبن والروح القدس ….” وقوله لهم : ” إن لم أذهب لن يأتيكم المُعزي، مِن عند الآب”
وأردف أنّٓه مِن أجل ذلك فإن استمراريّة حُضور المسيح تتجلَّى بِالروح القدس الذي حلّ على التلاميذ وبِالتالي على الكنيسة جمعاء في العنصرة، وأن المسيح يحضر مِن خِلال الروح القُدس الفاعل أبداً في الكنيسة ، وأن المُشاركة فيه تأتي مِن خِلال الأسرار المُقدَسة الغير محدودة.
لكن المُدخلة مِنها هي المعموديّة، الميرون، الافخاريستيّا.
فضلاً على الإعتراف الذي تعريفه ” التوبة والمُصالحة مع الله ”
ومٍن ثمّ شرع بِشرح كلٍ مِنها على حِدة إبتداء بِسرّ المعموديّة:
– فالمُعمّد يُلقى ثُلاثاً في المياه على اسم الآب والابن والروح الْقُدُس كرمزٍ لِدفن المسيح وقِيامته في اليوم الثالث، بِمعنى ان كل مفاعيل الفداء التي قام بِها الربّ يسوع على الصليب وقيامته وتفجيره النور وأنارته الظلام كما أسلفنا سابِقاً
تأتي كُلِّها بِالمعمودية ، وأن سُكنى الروح القدس فينا يُطهرنا مِن الخطايا.
وفيما يتعلق بِالفرق ما بين المعمودية والميرون، أردف الأب يعقوب أنّٓهُ بِالمعمودية ننتسب الى جيش المسيح وبِسرّ الميرون أو التثبيت نُحارب الشيطان، وفي خدمة العِماد يدهن الكاهن كافة أعضاء جِسم المُعمّد تثبيتاً لِختم الروح القُدسِ فيه بِالترافق مع تِلاوته لِقراءات مِن الكِتاب المُقَدَّس.
وأشار الى دور الميرون الذي يتمثل بِتحصين الحواس التي تطل النفس البشريّة مِن خِلالها الى العالم الخارجي وتتقبل التجارب ومُغريات الخطايا التي تدغدغها.
وبِالتالي فإن دخولنا في المسيحية كأعضاءٍ في جسد المسيح بِالعماد يجعلنا مُلزمين بِتغذِيته لِينمو بِالمناولة الإلهية، الذي بِها نغتذي مِن تناول جسد ودم المسيح مع ضرورة أن نكون مهيئين روحياً لدى قدومنا الى القُدُّاس الإلهي.
كما نوَّه الى أنّنا معرضين لِلوقوع في الخطيئة ضٍمن مسيرتِنا مع الربّ، ولِكي نُجدّد العهد، علينا بِسر التوبة أو الإعتراف الذي يهدُفُ لِكشف أمراضنا الروحِيّة الذي يُقدّمه الكاهن أو الأبّ المُعرِّف بِهدف علاجها ودخول نعمة الروح القدس مجدداً فينا.
وأضاف الأب يعقوب أن حياة القِيَامَة تبتدِء من جرن المعمودِّية، ومن لا يطلب المسيح في هذه الحياة، لن يجدهُ في الحياة الأخرى، وأنّه في القِيَامَة خرج المسيح مِن القبر الذي كان مختوماً بِحجرٍ عظيمٍ في اليوم الثالث، ودخل العلية على التلاميذ والأبواب موصدّة.
مِمَّا يتجلّى معه أن الحجرٍ يمكن أن يسجن الحياة، وبِالمُقابل يمكن لِلحرّية البشرية أن تسجن الله الذي لا يُجبِرُنا على محبّته.
وفيما يتعلق بِحصر عيد الفصح بِالعادات العالميّة التّي تُبعِدُنا عن جوهره المُتمثِّل بِقيامة الربّ يسوع مِن بين الأموات، كالحفلات والمأكل والمشرب واللِباس وغيرها ، عبّر قُدسَه عن عدم رضاهُ عنها عندِما تبتعد عن جوهر فرح القِيَامَة.
واختتم الندوة، بإعطاء بعض الأمثِلة الوارِدة في الكتاب المقدس حول العديد من الأعمال القِياميّة التي حصلت في العهد القديم وعلى يد الربّ يسوع في العهد الجديد، مع التركيز على الفوارق بين المرحلتين، وأهمّها حادثّة إقامة الربّ يسوع لِأليعازر الرُباعي الأيام، بعد أن كان يُقيم الموتى فور حصول الوفاة الأمر الذي أثار اليهود الذين كانوا يعتقدون بِتحلُّل الجسد في اليوم الثالث لِحدوثها.
وتطرّق الى القدِّيس مكسيموس المُعترف الذي تحدّث عن ثلاث قِيامات وهي:
-الأولى التي حصلت في العهد القديم بِعبور الشعب اليهودي مِن أرض العُبوديّة في مِصْر الى أرض الميعاد والحُرّية لكي يستطيع مُمارسة عِبادته لِلربّ.
-الثانية وهي موت المسيح وقِيامته والعبور مِن الأرض الى السماء بِصعوده في الجسد.
-الثالثة القِيَامَة العامة المُتمثّلة بِالمجيئ الثاني لِلمسيح والانتقال من الفساد لعدم الفساد وبطبيعة الأحوال تحول الجسد من الموت الى القِيَامَة وِفق مقولة بولس الرسول أن الموت أصبح عِبارةً عن زرع الجسد في الفساد لِيقوم بعدم الفساد من أجل ذلك أصبح الموت مع المسيح زرعاً، وأن وجود الإنسان يبتدٍأ بوِلادته دون أن ينتهي بِانتهاء حياته على الأرض.
وكانت نِهاية اللِقاء بِتوزيع أيقونة السيّد.
إضافة الى مُشاركة أعضاء مجلسي الرعية وفرع الميناء في مائدة المحبة التي أقيمت لِلمُناسبة بِبركة قدس الأبوين يعقوب وغريغوريوس في قاعة الرعيّة.