الأعمى والنُّور – المطران جورج (خضر)

mjoa Thursday June 2, 2016 84

الأعمى والنُّور – المطران جورج (خضر)

أصرّ اليهود الا يُعتَرف بيسوع الناصريّ مسيحًا في شعبه. فقد صمّموا على إخراج أي يهوديّ من المجمع، من الأمّة، اذا اعترف بيسوع المسيح. أي انهم منذ البدء أَدركوا انهم لو اعترفوا بالمسيح فإنما عليهم ان يغيّروا شيئًا في أنفسهم، شيئًا في تفاسيرهم، شيئًا في مواقفهم. وهذا يكلّفهم، يعرّض أُمّتهم ألاّ تبقى متماسكة.

blindلو اعترفوا بيسوع مسيحًا لكانت الرسالة قد خرجت من إسرائيل إلى العالم، ولكانت الأمم قد دخلت في الميراث، وتنهار زعامة الفريسيين، ويصبح المسيح سيّدًا على الشعب، ولا يبقى الكهنة ورؤساء الكهنة والفريسيون قادة للشعب، وتصبح هناك كنيسة واحدة مؤلّفة من مسيحيين من أصل يهوديّ ومسيحيين من أصل وثني.

ولكي يُبعدوا هذا الخطر عنهم، أرادوا ان يزجّوا المسيح بالتهمة لكي يُبعدوا الناس عنه، فاتّخذوها ذريعة أنه شفى الأعمى في يوم سبت، وكان هذا في نظرهم كُفرًا لأن السبت مخصّص للرب ولا يُعمَل فيه. اعتبروا الشفاء عملاً، اعتبروا كلّ عمل محرّم في الناموس مع أن الأعمال لم تكن كلّها محرّمة. فضّلوا التمسّك الحرفيّ بالشريعة على عمل الخير. وجدوا ذريعة، لا في شريعة موسى، بل في تفاسيرهم لشريعة موسى لكي ينقضّوا على يسوع ويُميتوه. ولذلك أخذوا يجادلون في أمر المريض الذي شُفي:

أأنت أعمى؟ من قال انك أعمى؟ أين الشهود على أنك أعمى؟ كانوا يرونه دائمًا ويعرفون انه وُلد أعمى، ومع ذلك أرادوا أن ينفوا الأعجوبة، ليس لأنها لم تحصل، لكنهم قرروا مسبقًا ألا يعترفوا بيسوع صانع معجزات. الرجل الأعمى اعترف بذلك طبعًا لأنه شُفي. وأبواه اللذان كان مغضوبًا عليهما من اليهود اعترفا أيضًا بذلك.

يبيّن لنا الإنجيل أن من كان يُظَنّ انه «مستنير» (أي اليهود) كان أعمى. كان اليهود هم العميان في حين ان الأعمى صار بصيرًا. انقلبت الآية: الذين ظنّوا أنفسهم في النور كانوا في الظلام لأنهم جعلوا أنفسهم ضد المسيح، والذي كان في الظلام صار في النُّور لأنه آمن بالمسيح. المسيح هو النُّور وكل من اتّبع المسيح يصبح في النُّور.

قد يكون الإنسان مسيحيًا، ومع ذلك يبقى أعمى، ليس لأن ديانته مظلمة، لكن لكونه لم يبقَ على ديانته. أظلم من جديد من بعد نور. السلوك السيء ظلام يدخل الينا من بعد النُّور ويجعلنا عميانًا. لذلك لا نفتخر بأننا مسيحيون، هذا لا يكفي. لنفتخر بأننا نطيع وصايا الله. القضية أن يستمرّ النُّور علينا، لا أن نأخذ النُّور منذ طفولتنا ونتوقف. الأمر كله ان نبقى على معموديتنا ونسلك سلوك المعمّدين كأن النور يُعطى لنا كل يوم بالعمل الصالح. المعمودية تُجدّد لا بالماء ولكن بالعهد الذي نقطعه على أنفسنا كل يوم في حضرة المسيح فنبقى على النُّور الذي تدفق على كل منّا في جرن المعمودية.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

05 حزيران 2016

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share