مَن هو القديس؟ – المطران جورج (خضر)

mjoa Thursday June 23, 2016 93

مَن هو القديس؟ – المطران جورج (خضر)

جملة أساسية في هذا الفصل الإنجيلي: «كل من ترك بيوتًا أو إخوة أو أخوات… من أجلي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية». الالتصاق بيسوع شرطه أن تترك ما كنت متعلقًا به إذ لا جمع ممكنًا بين المسيح وغير المسيح. الدنيا فيها أشياء تستعملها ولا يتعلق أبداً قلبك بها. القلب يسكنه المسيح فقط.

All the Saintsوكأنّ المسيح يُحذّرنا عندما يقول: «من أَحَبَّ أبًا أو أُمًا أكثر مني فلا يستحقّني، ومن أَحب ابنًا أو بنتًا أكثر مني فلا يستحقّني»، وهو العليم بأن الإنسان كثيرًا ما يتأرجح بين مودّات له وثنيّة وتلك المودّة الوحيدة التي يجب ان ينصرف إليها، أي مودّة السيّد. ولا عجب إن تحيّر الإنسان بين الله وغير الله، بين ما هو للسماء وما هو للأرض، وإن كان ممزّقًا فالإنسان مشدود بين ترابيته وروحانيته.

ولكن من أراد أن يتبع السيد، من شاء أن يُطوّع كل قوة فيه وكل زخم ليسعى إلى وجه يسوع، هذا إنسان يُدعى إلى كسر الطين الذي فيه حتى يسعى إلى سحق الشهوات التي تتآكله. هي لفتة واحدة من الإنسان إلى الله تجعله قديسًا، ولفتات مستمرة منه إلى دنياه تجعله تافهًا.

يسوع يريد ألا نُشرك بينه وبين سواه. ما معنى هذا الكلام؟ أَوَ يعني أننا مدعوون ألاَّ نُحبّ زوجة أو أرزاقًا أو وطنًا أو ما إلى ذلك من مخلوق؟ أجاب السيد عن هذا بقوله: «من لا يترك امرأة أو أولادًا أو حقولاً فلا يستحقّني». ماذا يعني الترك ونحن مقيمون مع عائلاتنا ونملك ما نملك؟ في الوقت الذي تحدّث فيه السيّد لم تكن الرهبانية واردة لأنها لم تظهر الا ثلاثة قرون بعد البشارة. لهذا لا يمكن أن يعني قوله أن اتركوا إلى الأديار. هذا ما تمّمه رهبان صالحون سيظلّون نماذج لنا. لكن بصورة عامة يريدنا الله أن نبقى في الدنيا ويريدنا أن نستمر فيها وأن نعرف جمالاتها لأنه يريدنا ان نرتقي من جمالها إلى بهاء وجهه. ومن لم يذق في الدنيا جمالاً لا يرى وجه الله.

قطعًا لا يريدنا السيد ان نُهمل أزواجنا والبنين وهو الداعي إلى الرعاية. لكنّه يريدنا راسخين فيه، غير راسخين في أهل الأرض وفي ما يملكون. يريد قلوبنا منصرفة اليه، مأخوذة به. وإذا تعاطته تحوي كل البشر فيه. ولكن إن كان القلب مقسومًا، فلا مجال فيه لا للمسيح ولا لغير المسيح. ان كان القلب غير ممَسحَنْ فهو لا يحبّ أحدًا من الناس.

المرء الذي يحب الله حتى المنتَهى، حتى الترك، حتى ترك المخلوق، يعود إلى المخلوق باستقلال عنه، يعود من فوق ويضمّ المخلوقات اليه ضمًّا قاطعًا. إذ ذاك فقط يجمع الإنسان في قلب واحد بين محبة الخالق ومحبة الناس.

هذه هي القداسة. القداسة ليست مسوحًا ولا هي في جوهرها تقشّف ولو كان التقشّف وسيلة إليها لا بدّ منها. ولكن القداسة حب. من أحب حتى الموت أو حتى استعداده للموت، فهذا قد أدرك القداسة.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

26 حزيران 2016

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share