“الصلاة اليوم” -1- المطران انطوني (بلوم)

mjoa Tuesday July 5, 2016 93

“الصلاة اليوم” -1- المطران انطوني (بلوم)  

جوابُ المطران أنطوني بلوم على سؤال طُرِح في Taize، فرنسا، من قبل مجموعة من الشباب: ما قيمةُ الصلاةِ اليومَ للشبابِ المسيحيين الذين يعيشونَ في خِضَمِ عالمٍ علماني، وما هي الطريقة الملموسةُ لتنفيذها؟ (ترجمة من الفرنسية).

الحياةُ والصلاةُ لا ينفصلان ابدًا. إن الحياة بلا صلاةٍ هي الحياةُ التي تجهل بعدًا أساسيًا من الوجود. إنها حياةٌ سطحيةُ، دونَ عمقٍ، حياة ثنائية الأبعادِ في المكان والزمان. إنها الحياة التي تكتفي بالمنظور، مع جارِنا، ولكنَ جارَنا الحسيّ، الذي فيه نفشَل في اكتشافِ ضخامة وخلود مصيره.

metropolitan-anthony-of-sourouzh ان قيمةَ الصلاةِ تتمّثلُ في الاكتشافِ، التأكيدِ والعيشِ وفقًا لحقيقة أن كل شيء له بعد أبدي ولا محدود.

العالم الذي نعيش فيه ليسَ بعالمِ مدنّس؛ بل هو عالم نعرف جيدًا كيفَ نًدَنِسُهُ، ولكن في حد ذاتِهِ يأتي من يدِ الله، و هو محبوبٌ من قِبَل الله. القيمة التي يوليها الله عليهِ هي حياة وموتُ ابنه، والصلاة تبيّن اعترافنا بهذه الحقيقة، واكتشافُنا حقيقةً أن كلّ شخصٍ في نَظَر الله ذو قيمة مقدّسة وكونه محبوبُا من الله، يًصبح ثمينا بالنسبة لنا أيضا. ألا نصلي هو أن نَدَعَ الله خارج وجودنا، ليس فقط الله، ولكن كل العالم الذي خَلَقَهُ، والعالمُ الذي نعيش فيه.

نحنُ الآن في كثيرٍ من الأحيان نعتقدُ أنهُ من الصعبِ التنسيق بين الحياة والصلاة. هذا خطأ كبير، ناتج عن فكرة خاطئة عن الحياة، وكذلك الصلاة. نحنُ نعتقد أن الحياة تتمحوّرُ حولَ الحركة الدائمة، وأن الصلاةَ تكونُ في الخروجِ من مكانٍ ما والانسحاب ونسيانِ كل ما يتعلّق بجارنا والوضع البشري. هذا غير صحيح! هذا افتراءٌ ضدّ الحياةِ وضدَ الصلاةِ عينِها .

من أجلِ فهم الصلاةِ يجبُ على المرءِ أولا الوصولُ الى التضامن مع واقعِ الإنسانِ كلّه، مع مصيرِهِ وأنَ العالمَ كلّه يفترضُ هذا القولَ. وهذا فعلٌ ضروريُ انجَزَهُ الله “في التجسّد”. هذا هو الجانبُ الكليُّ لما نسميه شفاعةً. عادةً عندما نُفَكِرُ في شفاعةٍ نعتقدُ أنه تذكيرُ الله بتأديبٍ لما نسي القيام به. الشفاعةُ تعتمدُ على اتخاذِ خطوةٍ وهو ما يقودُنا إلى قلبِ الأوضاعِ المأساوية،  خطوةٌ لها نفسُ القيمةِ التي اتخذها المسيح، الذي أصبحَ فيها انسانًا مرةً واحدة للجميع. وهو ما يعني التحرّك إلى قلبِ الأوضاع التي لا يمكننا أبدًا أن نجدَ طريقَنا للخروجِ منها مرة أخرى؛ مسيحي، مسيحٌ مثل التضامُنِ الموجّهِ في وقتٍ واحدٍ نحو قطبَينِ معاكسينِ. المسيحُ المتجسد، الانسانُ الحقيقي والإله الحقيقي، لديه التضامنُ التام مع الرجلِ في خطيئته عندما ينظر نحو الله، والتضامنُ الكلي مع الله عندما ينظُرُ نحو الرجلِ. هذا هو التضامنُ المزدوِجُ الذي يجعلُنا في شعورٍ غريبٍ لكِلا الجانبينِ، وفي الوقتِ عينه متحدا مع كِلا الجانبينِ. وهذا هو أساسُ وضعِنا المسيحي.

تسألني، “ماذا نفعلُ؟” الصلاةُ نابعة من مصدرين: إما من تعجّب لدينا في الله وامورِهِ – جارُنا والعالم من حولنا، وعلى الرغمِ من ظلالها. وإما من شعورِ المأساةِ، مأساتِنا، وخاصةً مأساةِ الناس. يقول Berdyaev «عندما أكونُ جائعًا هذه حقيقة بدنية. أما إذا كان جاري جائعا فهذه حقيقة أخلاقية.» وتلكَ هي المأساة كما تظهرُ لنا في كل لحظة. جاري دائما جائع: وليس جوعُهُ دائماً للخبزِ بل هو أحيانا جائعٌ لِلَفتَةٍ إنسانيّةِ، لمحةٍ من الموّدة. ومن هنا تبدأ الصلاة، في معرفة وحسّ العجائب والمأساة. ما دامَ هذا يستَمِرُ، كلُ شيء سهلٌ :في العجبِ نصلي بسهولة، تمامًا كما نصلي بسهولة عندما نكون في قبضَةِ شعورِ المأساة.

لكن على خلافِ ذلك وفي أحيانٍ أُخرى الحياةُ والصلاةُ تجِبُ أن تكون واحدة. على سبيل المثال، استَيقظ في الصباح، وقِف أمام الله وقُل: “يا رب باركني، وبارك هذا اليوم الذي يبدأ”، ثم عالِج طولَ هذا اليوم كهديّة من اللهِ واعتبر نفسَكَ كرسول الله في هذا المجهول الذي هو يوم جديد. هذا يعني ببساطَة شيئا صعبًا جدًا: أن لا شيء مما يحدُثُ اليومَ سيكونُ غريبُا عن إرادة الله: كلُ شيء دون استثناء هو حالةُ معيّنةٌ وَضَعَكَ الله فيها ينبغي أن يكونَ وجودُهُ فيها، حبُهُ، رحمته لها، ذكاؤه، قدرته على الخلق، شجاعتًه، ومن جهة أخرى، في كل مرّة تواجه هذه الحالة، سوف تكون أنت الشخصُ الذي وضَعَه الله هناك لأداء مكانِه كمسيحي، لتكون جزءا من جسد المسيح و عمل الله.

إن كنت تَفعلُ ذلك، سوفَ ترى بسهولةٍ أنك سترجع إلى الله في كل آنٍ وتقول: «يا رب، وضّح ذكائي، قوتي ووّجه إرادتي، أعطني قلبَ نار، ساعدني.» وفي لحظات أخرى قد تقول: “شكرا لك يا رب!” وإذا كنتَ حكيما وتعرِف كيف تكونَ شاكرا، سوف تتجنبُ الحماقة المسماة الغرور او الكبرياء، والتي تتبيّن في تخيّل أني قد فعلتُ أمرا لو كان شخص آخر لكان تركه دون أن ينجِزَهُ . الله هو الذي فعلَ ذلك. الله هو الذي أعطانا هذه الهديةَ الرائعة التي هي وجوده للقيام به.

وعندما تكونُ في المساء يمكنِكَ تقديمُ نفسِكَ مرةً أخرى أمام الله وإجراء فحص سريع لليوم، سوف تكون قادرًا على تسبيحِهِ، تمجيدِه، شكرِه، البكاءِ على الآخرين والبكاءِ على نفسِك. إذا كنتَ قد بدأتَ توصيلِ صلاتِك في الحياة بهذه الطريقة، لن يعودَ أبدًا إلى الفصلِ بينهما، والحياةُ سوفَ تكون بمثابة الوقود الذي في كل لحظة يغذي الحريق الذي يصبح أكثر ثراء وغنى، والمزيد من الحريق، الذي يحوّلُك انت نفسُك شيئًا فشيئًا إلى العليّقَةِ التي قيلَ عنها في الكتاب المقدس.

ترجمة : أسرة الإستعداديين، مركز جبل لبنان

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share