فكر المسيح – مجلّة النّور، العدد الأوّل 2017

mjoa Friday March 3, 2017 106

فكر المسيح – مجلّة النّور، العدد الأوّل 2017

الأب إيليّا (متري)

يصدمك أنّ معظم المسيحيّين لا يعرفون من فكر كنيستهم شيئًا، ولا يريدون أن يعرفوا. وإن احتاج أحدهم إليك، كاهنًا، بأمر يختصّ بمبادئ الإيمان، يأتيك باعتبار أنّك مسؤول عن مساعدته. أنت، كاهنًا، مساعدٌ، طبعًا. هذا أمر لا يجوز أن يُتنكَّر له. ويفرحك أن تلتقي بالناس، أيًّا كانت المناسبة. ولكنّك تسقط من موقعك إن لم تُرد المؤمنين جميعًا قادرين على إدراك مقتضيات إيماننا والتعبير عنها.

بات عملاً من عمل الكاهن أن تأتي إليه والدة (أو والد) تصطحب طفلها، لتسأله الإجابة عن بعض أسئلة يطلبها أستاذ التعليم الدينيّ في مدرسته. ولا أتراجع عن اعترافي بفرح اللقاء بالناس إن قلت إنّك، في غير أمر، ترى الناس يتقنون مساعدة أطفالهم. وأمّا أمور اللَّه، فتراهم لا يعبأون بها عمومًا!

Jesus Christمنذ مدّة، أتتني سيّدة يرافقها ابنها إلى الكنيسة. وطلبت أن أعينه في بعض أسئلة كنسيّة يخجلني أن أذكر بعضها (ما اسم شفيع كنيسة الرعيّة، مثلاً). كان ثمّة شابّ، يشهد له الإخوة، موجودًا. حوّلتهما إليه. انفرد الشابّ بالفتى وأمّه نحو نصف ساعة. وبعد أن أنهى المساعدة، جاء، وسألني: “لِمَ حوّلت إليّ مساعدة الفتى؟”. قلت له: “ثمّة سؤال، لا علاقة له بواجب الفتى، كان صعبًا عليَّ أن أجيب عنه”. قال: “وما هو؟”. أجبته: “لِمَ لم يجبه ذووه عن أسئلته؟”. ثمّ أردفت: “كنت أنت فرصتي، لأقول للفتى، على الأقلّ لهذا الفتى، إنّ معرفة الفكر المسيحيّ هو مسؤوليّتنا جميعًا، كهنةً وعلمانيّين”.

لست، بما قلته إلى الآن، أحسب أنّ الناس، الذين يجهلون أمور اللَّه، يقرّون هم بجهلهم. يصعب كثيرًا على إنسان اليوم أن يقرّ بأنّه لا يعرف كلّ شيء! مَثَلُ تلك السيّدة وابنها كان يمكن أن يكون له إخراج آخر لو لم يتعلّق الأمر بدرس الفتى. كلّ مساعدة، تبدي أولادنا متفوّقين، نصرف أنفسنا في سبيل تحقيقها. أمّا لو طرح ابن على والديه أسئلةً تتعلّق بإيماننا، من دون أن يكون الأمر يتعلّق بحصّة مدرسيّة يمكن أن تكون لها علامتها، لكانا أجاباه من دون أن يطلبا أيّ مساعدة. لن يفكّر أيٌّ منهما، حينئذٍ، إن كانت أجوبته صحيحةً أو خاطئة. فمعظم المؤمنين قد حصّنوا أنفسهم بمعرفة خاصّة. معظمهم يعرف لِمَ يهمل هذا الأمر أو ذاك، ولكنّه، على الغالب، لا يعرف لِمَ عليه ألاّ يهمله. فإن سألت أحدهم، مثلاً، لِمَ لا تلتزم الصوم الكنسيّ أو الصلاة الجماعيّة أو أيّ أمر آخر ينفع خلاصنا، لسمعتَ منه أجوبةً عن اللِمَ لا. وقد يردّد أمامك آياتٍ يحسب أنّها تدعم أجوبته. لكنّك إن سألته لِمَ عليه أن يلتزم، أو ما هو تعليم كنيسته عن هذا الأمر أو ذاك، لَمَا استطاع أن يجيبك بشيء. معظم الناس مستريحون إلى ما هم يعرفونه. وهذا حصن يصعب دكّه. هذا حصن بنته خبرتهم أو تقاليد مجتمعهم، أو ورثوه عن آبائهم وأجدادهم. وأنت لا تستطيع أن تكسر الخبرة المقلَّدة، أو تخطّئ الأب. هذا جنون. هذا أمر لا يمسّ.

إلى جهل معرفة التعليم الكنسيّ، ثمّة أمور أخرى، تتعلّق بحياتنا الكنسيّة، لا يعرفها الكثيرون. من الأسئلة، التي قلت أعلاه إنّ ذكرها يخجلني، سؤال عن اسم شفيع كنيسة الرعيّة، وسؤال آخر عن اسم كاهنها. لقد أتت السيّدة تحمل أسئلة ابنها من دون أن تكلّف نفسها عناء الإجابة عن أيّ سؤال! لا أقول إنّها لم تكن تعرف جوابهما، بل كانت تعرف. لكنّي عرفت أشخاصًا آخرين، لا بأس بعددهم، لم يكونوا يعرفون. ولو أردت أن أتوسّّع قليلاً في هذا النوع من الجهل المخجل، لذكرت أنّ الكثيرين بيننا لا يعرفون اسم أسقف أبرشيّتهم، ولا موقع دار المطرانيّة، أو امتدادها الجغرافيّ. فمن المضحك المبكي أنّ أحدهم، يقطن في ضواحي بيروت، في رعيّة تتبع أبرشيّة “جبل لبنان”، قال لكاهن رعيّته مرّةً: “لماذا ترسلون إلينا نشرةً تصدرها مطرانيّة جبيل والبترون؟! لم يكن يعرف اسم الأبرشيّة التي ينتمي إليها!

إلى الآن، أخذني وصف الحال. والوصف ينفع إن جَعَلَنا نرى أنّ الجهل مصيبة المصائب، وساعدنا على أن نسعى إلى أن ننقذ أنفسنا من براثنه. كيف تنتهي أزمنة الجهل؟ كيف نحدّ من سوء انتشاره؟ سؤالان يحكمهما جواب واحد: أن نعتبر أنّ معرفة إيماننا شأن يخصّنا جميعًا. لا نستطيع أن نرى أنفسنا أعضاء في كنيسة لا نحسن فَهْمَ فكرها القويم. حياتنا، إذ ذاك، فارغة من مضمونها. ففكر الكنيسة تحيينا معرفته. تحيينا، وتحمينا. ما من نجاة في دوام الجهل. وما من نجاة في تكهّن المعرفة. هناك معرفة واحدة تقدّمها كنيستنا. وهذه تخصّنا. تخصّنا كلّنا. إن استطعنا أن نرى في الجهل عيبًا، فيُنتظَر أن نداويه بما هو ضدّه. وأفضل دواء أن ننخرط في حياة كنيستنا، ونُقبل على فكرها المحيي درسًا وتمحيصًا. فالجهل لا يضرّ بصاحبه فحسب، بل بسواه أيضًا، بل هو باب مفتوح لهجر الكنيسة ربّما إلى غير رجعة. ما من أمر، يفوق الجهل، جعل بعضنا ينضوي إلى بدع غريبة. يمكننا أن نعرف أنّ معظم الناس ينتظرون العلم الكنسيّ من كهنتهم. والعلم، كنسيًّا، لا يحصر بأحد. بلى، الكهنة يجب أن يكونوا ذوي علم، وعلم رفيع. ولكنّ العلم شأننا جميعًا إن أردنا أن يرضى علينا اللَّه الذي شاء أن يكون كلّ شعبه تلاميذ له.

مَن يؤمن بأنّه ينتسب إلى “كنيسة اللَّه الحيّ، عمود الحقّ وركنه” (1تيموثاوس 3: 15)، يجب أن يعتقد أنّ الكنيسة ليست جدرانًا ومقاعد وصلوات وخدمًا نلتزمها بدافع العادة أو الواجبات الاجتماعيّة. الكنيسة هي جسد مسيح اللَّه الذي وهبنا ما قاله وعمله، لنحفظه، ونتجدّد، ونغتني، ونغني.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share