المرأة والكهنوت خطّان متوازيان أم متقاطعان؟ – الأب جورج مسّوح

mjoa Saturday March 11, 2017 209

المرأة والكهنوت خطّان متوازيان أم متقاطعان؟ 

الأب جورج مسّوح

 المصدر: “النهار”

10 آذار 2017

استغرب بعضهم رسامة السيّدة رولا سليمان قسّيسة في الكنيسة الإنجيليّة في طرابلس، ذلك أنّها المرّة الأولى التي تتبوّأ فيها امرأةٌ في لبنان منصبًا رفيعًا كهذا لدى الإنجيليّين البروتستانت.

لا بدّ، بدءًا، من الإشارة إلى أنّ وظيفة الكهنوت في البروتستانتيّة إنّما تختلف عن نظرة الكنيستين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة إليها. لذلك درجت منذ عقود رسامة نساء قسّيسات، وأساقفة أيضًا، في الكنيسة البروتستانتيّة في بلاد الغرب، وليس مستغربًا، إذًا، في المنظومة البروتستانتيّة، أن تُرسم النساء. الجديد في الأمر هو أنّ القسّيسة اللبنانيّة هي المرأة الأولى التي تصبح قسيسّة في لبنان.

لم يُثر هذا الموضوع أزمة في العلاقات المسكونيّة ما بين الكنائس، أو إدانات متبادلة، أو تعليقًا للحوار في ما بينها. فاستمرّ التعاون على مستوى القادة الكنسيّين، واللقاءات، واجتماعات اللجان… التي تضمّ أساقفة وقسّيسات من النساء مع رجال الكنيستين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة. وما استقبال البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط، رئيسة الكنيسة اللوثريّة في السويد، ولقاء البابا فرنسيس مع السيّدة نفسها إبّان زيارته للسويد العام الماضي سوى دليل على الاحترام المتبادل ما بين الكنائس، وحرّيّتها في ممارسة ما تراه كلّ منها خاصًّا بها، وتاليًا لا شأن للكنائس الأخرى بها.
بيد أنّ الكنائس التي ترفض رسامة النساء أو سيامتهن الكهنوتيّة، إنّما تواجهها من داخلها بعض التحدّيات والتساؤلات التي يطرحها المؤمنين والمؤمنات في شأن الأسباب التي تحول دون رسامة النساء، وحجّتهم القاطعة تكمن في عدم وجود عوائق لاهوتيّة جدّيّة تمنع تجاوز ما هو سائد إلى اليوم. هنا نورد صنفين من الرافضين لكهنوت المرأة:
الصنف الأوّل يعتبر أنّ لا حجج لاهوتيّة تمنع كهنوت المرأة مع اقتناعه بأنّ ما يحول دون هذا الأمر ينحصر في أمور لا تمتّ بصلة إلى الإيمان. أمّا العوائق دون ذلك فتكمن في الأبعاد الاجتماعيّة والنفسانيّة والبيولوجيّة… التي يمكن تجاوزها إذا ما تغيّرت النظرة الاجتماعيّة إلى المرأة وإلى دورها في المجتمع، وإذا ما تمّ تفسير الكتاب المقدّس بعيدًا عن الحروفيّة الجامدة… بناءً على قول القدّيس بولس الرسول: “الله هو الذي أهّلنا لأن نكون خدّامًا لعهد جديد، عهد الروح، لا عهد الحرف، لأنّ الحرف يميت، أمّا الروح فيحيي” (كورنثوس الثانية 3، 5).

 

kahanout-mar2aالصنف الثاني يرفع رفضه لكهنوت المرأة إلى مستوى اللاهوت موردًا براهين واهية لا تستقيم، فيخلط ما بين الجوهريّ وغير الجوهريّ في الدين، جاعلاً غير الجوهريّ في مستوى الجوهريّ. فكلّ الحجج التي تقول إنّ يسوع المسيح كان ذكرًا ولذلك يجب أن يكون الكاهن ذكرًا إنّما هو تشويه لكلّ مفهوم التجسّد في المسيحيّة. لقد أجمع آباء الكنيسة على القول إنّ اللاهوت المسيحيّ يقوم على الخلاصة التي تقول إنّ ما لم يتّخذه ابن الله في التجسّد لا يمكن خلاصه. فإذا قلنا إنّ المسيح اتّخذ الذكورة فقط من الإنسانيّة، فالأنوثة هالكة إذًا، وهذا محال.

حجّة واهية كخيوط العنكبوت يقولها بعضهم أيضًا وهي أنّ مريم والدة المسيح، والدة الإله، تستحقّ أكثر من غيرها أن تكون كاهنة أو أسقفًا، ومع ذلك بقيت تلك المرأة المطيعة من دون مراتب كنسيّة. يجدر التذكير، ردًّا على هذه الحجّة العنكبوتيّة، أنّ المسيح لم يرسم أحدًا أسقفًا، بل اختار رسلاً، والرسل اختاروا من أتباعهم أساقفة وشيوخًا. هذا يسمّى في المنهجيّة عدم احترام التسلسل الزمنيّ للوقائع.

حجّة أخرى لا تقلّ خفّة عن تلك المذكورة أعلاه، وهي أنّ الله خلق حوّاء من ضلع آدم لذلك لا يجوز للمرأة أن ترتفع على الرجل في المكانة. ينسى هؤلاء أنّ كلّ الرجال من بعد آدم قد ولدوا من أرحام أمهاتهم. فما الصلة ما بين كيفيّة الولادة والمكانة التي يجب أن تعطى للرجل أم للمرأة؟
نرجو أن يرتقي الخطاب المشرقيّ المسيحيّ في شأن كهنوت المرأة وشرعيّته إلى مستوى أرقى من بعض المماحكات الهذيانيّة التي تأتينا من هنا وهناك. آن الآوان لخطاب كنسيّ يجيب على أسئلة مشروعة يطرحها مؤمنون مخلصون ليسوا منخرطين في مؤمرات ضدّ الكنيسة، وهذا يتطلب شجاعة قصوى وجرأة لا مثيل لها.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share