نحن والمسيح وكشكول البهلوان

الأب جورج مسّوح Saturday April 15, 2017 98

وقفت مريم المجدليّة القدّيسة التي عادلت الرسل عند قبر يسوع تبكي، لأنّها وجدته فارغًا من جسده. بكت مريم عند القبر لأنّهم، وفق قولها، “أخذوا سيّدي، ولست أعلم أين وضعوه” (يوحنّا ٢٠: ١٣). ظنّت أنّهم قد اختطفوه من القبر إلى مكان آخر.

اليوم، على عتبة الألفيّة الثانية لهذا التساؤل، نقول بصيغة المتكلّم الجمع، لا بصيغة الغائب المجهول الهويّة، إنّنا، يا مريم، يا رسولة الأمم، قد أخذنا سيدّك، سيّدنا، ووضعناه، غير سائلين عن مشيئته هو، في أماكن شتّى، وفق هوانا وشهوتنا وطمعنا. أدرنا له ظهورنا، واريناه الثرى، وضعناه على الرفّ، أسرناه في أيقونات، جعلناه أناشيد وحسب.

يسوع، حبيبك، قد صار سلعة نستعملها لغايات لا تمّت بصلة إليه. صار سلعة في المؤسّسات الكنسيّة، ولا أقول في الكنيسة، فثمّة مؤمنون يُشهد لهم أنّهم يفوقوننا نحن أبناء المؤسّسات الكنسيّة بالتقوى والمحبّة والعطاء، يفوقوننا بالإنسانيّة والرحمة…

لقد كنتِ، يا ابنة المجدل البارّة، واقفة عند أقدام الصليب أيضًا، ورأيت الجنود يقسّمون ثياب يسوع ويوزّعونها ما بينهم. وقد تذكّرتِ قول الكتاب: “اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي اقترعوا”. نحن قسّمنا ثيابه ولباسه. ربّما كان الجنود أفضل منّا لأنّهم لم يمزّقوا لباسه، بل أعطوه لـمَن وقعت القرعة عليه.

بات هناك، في أيّامنا، مَن يكفّر الذين يسعون بصدق إلى رتق ثوب الربّ، إلى جمع أقسام الثوب إلى واحد. هناك مَن يكفّر ويهرطق الذين يحبّون إعادة توحيد الكنيسة. بات العمل المسكونيّ عند هؤلاء شتيمة وسبّة يتطاولون بها على الغيارى على المسيحيّين كلّهم، وليس على قسم منهم.

لا أعرف إذا كنت واقفة مع الجموع حين وبّخ معلّمك، معلّمنا، الفرّيسيّين حين طلبوا منه أن يجترح أمامهم إحدى المعجزات، فأجابهم: “جيل شرّير فاسق يطلب آيةً، ولن يكون له سوى آية يونان (يونس) النبيّ. فكما بقي يونان ثلاثة أيّام بلياليها في بطن الحوت، كذلك يبقى ابن الإنسان ثلاثة أيّام بلياليها في جوف الأرض” (متّى ١٢: ٣٨-٤٠). طبعًا، يا مريم، أدركت أنّ المسيح، في جوابه هذا، يقصد الإشارة إلى النبوءات المختصّة بقيامته من بين الأموات بعد صلبه ودفنه.

على الرغم من توبيخ المسيح للفرّيسيّين لأنّهم طلبوا معجزة أو آية، ما زلنا إلى اليوم نطلب آية، وكأنّ غياب الآية يشكّل خطرًا على إيماننا. نسينا، في غمرة كبريائنا واستعلائنا على سائر الأمم والمسيحيّين الآخرين، أنّ القيامة هي معجزة المعجزات، وليست في حاجة إلى براهين إضافيّة حتّى يصدّقها الناس، وبخاصّة بعد الشهادات المتواترة التي نقلها شهود القيامة والموجودة في الأناجيل الأربعة وفي كتاب أعمال الرسل والرسائل.

أنت، يا رفيقة يسوع في بشارته، لم تعلمي أين وضعوا ربّك، ربّنا. نحن نعلم أين وضعناه. وضعناه في خدمة أهوائنا وشهواتنا. نستعمله كما يستعمل البهلوان في السيرك كشكوله فيخرج منه ما يحتاجه في أيّ ظرف من الظروف. ننساه إلى حين حاجتنا إلى  مقارعة أحدهم في أمر ما، فنستعمله سلاحًا في وجهه. نستعمله في البروباغندا السياسيّة “المسيحيّة”، في خدمة التطّرف والتشدّد والتمايز الطائفيّ ما بين أبناء الوطن الواحد.

وصل بنا عمى بصيرتنا، يا شفيعتنا لدن الله، إلى أن نجعل المسيح في خدمة “رئيس هذا العالم”، بل رؤساء هذا العالم. وأنت تعرفين أنّ “رئيس هذا العالم”، كما قال الربّ، هو الشيطان. ألم نذهب إلى تبرير حروب جبابرة هذا العالم وجرائمهم باسم دفاع ما عن المسيحيّة والمسيحيّين؟

هنيئًا، مريم، إذ تراءى الربّ لك كي تنقلي إلينا البشارة السارّة بقيامته من بين الأموات. متى سنفتح أعيننا وقلوبنا؟ أعنّا يا ربّ كي نعاينك قائمًا من بين الأموات كي يكون فرحنا كاملاً.

المسيح قام، يا فرحي.

الأب جورج مسّوح

“النهار”،15 نيسان 2017

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share