قمْ احملْ سريرك وامشِ – المطران جورج (خضر)

mjoa Saturday May 6, 2017 147

قمْ احملْ سريرك وامشِ –  المطران جورج (خضر)

إنسان مخلّع كان يجاور البركة الغنميّة، وكانت تُدعى هكذا لأنّها قائمة ليس بعيدًا عن الهيكل بسبب الغنم الذي كان يؤتى به إلى الهيكل. وكان هذا الإنسان قد قضى ثمانية وثلاثين عامًا في المرض، وهي المدّة ذاتها التي قضاها بنو إسرائيل في البرّيّة عندما انتقلوا من مصر إلى فلسطين. أي أنّ هذا الإنسان كان يشبه شعبًا تائهًا في البادية قبل أن يدخل أرض الميعاد.

 هذا الإنسان الذي انتظر ثمانية وثلاثين عامًا لم يدخل البركة، ولكنّه انتقل فجأة من وضع عتيق إلى وضع الشفاء. انتقل من حالة اليأس إلى حالة الرجاء. جاء إليه المسيح وأعطاه ما لم ينتظر، نقله إلى نوره العجيب.

normal paralyticفي لحظة، من دون أن يأبه بمن حوله، أدرك الرجل المريض أنّه شفي. لم يتساءل، لم يدخل في نقاش مع الغريب، بل نهض وحمل سريره ومشى. لم يسأل محاوره من أين أنت، ومن أين لك أن تتخطّى كلّ التقاليد التي نقدّسها؟ إنسان مرَّ به ورفع عنه كابوس مرضه. نهض بكلّ بساطة ومشى من دون أن يعرف كيف تمّ ذلك. رغم جهله وفقره وإعوازه وعناده وتمسّكه بالتقاليد أدرك أنّ في هذا اللقاء ما يغني عن مياه البركة.

هكذا يكون دائمًا لقاؤنا بالسيّد. يمرّ بنا غريبًا ونحن كالرجل المخلّع نُنتَشل بكلّ بساطة من رتابة حياتنا اليوميّة، إذ نعتقد بحضور لم نكن نرتقبه، لا نفهمه لأوّل وهلة، ولكنّه يجتذبنا خارجًا إلى ذاك الذي مرّ بنا عبر شخص لقيناه. فجأة، ونحن ما زلنا في جهلنا، نعلم كلّ العلم، ونرى بوضوح تامّ، ونعرف كما عرفنا، وننطلق، وقد نزعنا عنّا كلّ تساؤل، في مغامرة الإيمان.

يأتينا السيّد اليوم ببعض من الملكوت قبل أن يحلّ الملكوت الذي ننتظره بملئه. يأتينا بإشارات عنه أو بمقدّمات. ولهذا هو يشفينا ويرشدنا ونحن فقراء إليه لكي نتخشّع ونسجد لربّنا ونصل إليه بالتوبة.

إلهنا يتجسّد أي يأتي إلى حيث نحن موجودون ويخاطبنا، يتحدّث إلينا بلغتنا. فإن قبلنا أن ندخل الحوار بكلّ ما يمليه علينا ذلك من سعي في محاولة صادقة لنسمع الشخص الآخر حقًّا، ونفهم ما يقوله لنا ولا نحاول تأويله عبر معتقداتنا وعبر ما نتمسّك به من تقاليد وعبارات، نستطيع إذ ذاك أن نلقى المخلّص، أن نحمل أسرّتنا ونمشي، أن نولد ثانية في فعل خلق جديد.

مرّ يسوع بالرجل المخلّع وسأله: هل ترى مرضك على حقيقته؟ ولمّا أصرّ المخلّع على أن يُلقي مسؤوليّة تعاسته على الغير قال له السيّد: قمْ وامشْ، أي أنّ جلّ ما عليك أن تفعله هو أن تنظر إلى نفسك في حقيقة سقمها فتنتزع الغشاوة التي تغطّي عينيك. إنّك تعيش في ظلمة لا لأنّ النور قد انقلب ظلامًا بل لأنّ مشعل نفسك قد انطفأ.

قم وامش. تعال معي فأعلّمك كيف تتغلّب بفرح على كلّ ما هو سافل في حياتك، كيف تتعالى فوق الشكّ والخوف والتردّد، كيف لا تدع الأحاجي الاجتماعيّة أو الدينيّة أو العلميّة تزيل نُور الحق من سبيلك، كيف تحصل على قلب منفتح لكلّ ما هو جميل وكلّ ما هو حقّ، كيف ترجع وتصير طفلاً، كيف تولد ثانية، كيف تعاين الله بتواضع وشكر وبساطة قلب، كيف تجثو على ركبتيك صارخًا: «آمنتُ يا ربّي فأعن عدم إيماني». اذهب ولا تخطئ ثانية.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

٧ أيّار ٢٠١٧

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share