أن نسجد للآب بالروح والحقّ – المطران جورج (خضر)

mjoa Wednesday May 10, 2017 202

أن نسجد للآب بالروح والحقّ – المطران جورج (خضر)

في إنجيل يوحنّا الذي نقرأه باهتمام بعد الفصح، قيل عن السيّد إنّه كان لا بدّ له من أن يجتاز السامرة وهو في طريقه إلى أورشليم. كان بإمكانه أن يصل إلى أورشليم من طريق أخرى، لكنّنا نجده يغيّر برنامجه لكي يلتقي بالمرأة السامريّة التي صارت منطلقًا لكلّ البشارة التي نقرأ عنها في أعمال الرسل. في أوّل البشارة كان الرسل يكلّمون اليهود فقط، لكن في أنطاكية أخذوا يبشّرون الوثنيّين أيضًا، كما فعلت السامريّة لمّا أعطت البشارة لغير اليهود، لأنّ كلمة الله تستقرّ في كلّ من آمن بالربّ يسوع مهما كان أصله.

السامريةمحور كلّ هذا النصّ هو شخص المسيح نفسه. يسوع يتجاوز كلّ فاصل بينه وبين أيّ إنسان، لأنّنا بعد المسيح لسنا مفصولين عن أيّ إنسان، وإن فصلتنا عنه ظروف الزمان أو فرّقت العادات بيننا وبينه. بسبب من المسيح نحن ملاصقون كلّ إنسان.

يجابه السيّد السامريّة قائلاً: «لو عَرفتِ عطيّة الله ومَن الذي قال لك أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا»، الماء الحيّ لم يكن في البئر، وقد قال النبيّ إرمياء عن لسان الله: «تركوني أنا ينبوع الماء الحيّ واحتفروا لأنفسهم آبارًا مشقّقة لا تضبط ماء» (٢: ١٣). يقول السيّد دومًا عن نفسه إنّه الماء الحيّ، وفي إنجيل اليوم يقول إنّ من يأخذ منه ماء الحياة يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبديّة.

هل نحن نستقي الماء الحيّ؟ كلّ واحد منّا سجين ترتيبات حياته، سجين الحزن وعادات الحزن، سجين الفرح وعادات الفرح، سجين ترتيباته العائليّة والعشائريّة والحزبيّة. كلّ إنسان رتّب نفسه في قفص يقيه الفكر الحيّ. كلّ إنسان أخضع نفسه لكابوس، لنير، حتّى لا يواجه المسيح الذي يغسل كلّ نير ويرفع عنّا كلّ فكر. فإنّك إن ماشيتَ المسيح لا بدّ لك من أن تصبح ينبوعًا، ينبوع ماء حيّ، أي أنّك إنسان حاضر، ملتفت الروح، ملتهب الفكر، خادم للإنسانيّة تنظر إليها كلّ يوم بانفتاح على غير ضيق ولا أقنعة. تصبح إنسانًا جديدًا إن أردتَ أن تسير وراء السيّد.

دخلت المرأة في مناقشة مع السيّد بعد أن فضح سلوكها. عرفت أنّها في وضع مريب فأرادت أن تهرب من وضعها ودخلت في مناقشة لاهوتيّة. لكنّ يسوع لم ينقد إلى المناقشة لأنّ القضيّة ليست أن نناقش، لكنّ القضيّة أن نواجه المسيح وأن نسلم إليه لكي نصبح أناسًا جددًا به. لذلك قال يسوع للسامريّة: ليست القضيّة أن تختلفوا حول مكان العبادة، فإنّ الله روح والقضيّة ليست قضيّة معابد. فبالروح والحقّ ينبغي أن تسلكوا. كوني في أعماق روح الله وكوني في حقيقة الله قبل أن نتكلّم على مكان العبادة.

كثيرون يتحدّثون عن الدين وعن الطوائف، وعن ميزة هذه الطائفة أو تلك ويتباهون بماضيهم، ولكنّ واحدًا منهم لا يصلّي. القضيّة ليست تفاضلاً، القضيّة أن نكون جميعا بالروح والحقّ، أي أن نرمي أنفسنا في أعماق الله بصدق كامل. لمّا واجه يسوع السامريّة بقضيّة الصدق، وبأنّها مدعوّة إلى أن ترتفع إلى الربّ الإله، تغيّرت فورًا وأصبحت من تلاميذه.

إمّا أن نكون تلاميذ للسيّد أو لا نكون. السؤال المطروح على كلّ منّا في أحد السامريّة هو هذا: هل أنا أستمع إلى المسيح؟ هل أحبّ أقواله؟ هل أنّ همّي كلّه أن أكون شاخصًا إلى عينيه لكي أتلقّى منهما كلّ حنان وأوجَد؟

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

14 أيار 2017

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share