حركة الشبيبة الأرثوذكسية: حياةٌ ورؤيا

mjoa Saturday January 27, 2018 770

قبل أيّ تعريفٍ بحركـة الشبيبة الأرثوذكسية وعملها يجدر التوضيح أن السبيل الأهمّ  لمعرفة الحركة من أيّة معلومة عنها هو التواصل مع أبنائها ولحظ تأثيرها فيهم. فالحركة، التي هي إبنة كلمة الله المتجسّد، يسوع المسيح، لا تُعلَّم بل تُختَبر وتُعاش وتُحمَل في النفوس وتُنقَل الى الآخرين. ولهذا لا يُنظَر إليها كجمعية أو مؤسّسة بل كورشة لبناء الشخص والجماعة في يسوع المسيح.

أساس الورشة الحركية هو تربية الشباب على أن يعرف المسيح معرفة اتحادية عميقة تَكشف له فداءَه ومحبتَه وتقودُه الى امتلاك رؤية إيمانية نهضوية ليحيا، بنور ما تحمله هذه الرؤية من فكر ومبادئ وفضائل، كلَّ وجه من  وجوه الحياة. هذا سبيله قيادة الشباب الى التزام الحياة الكنسية ودراسة الكتاب المقدّس وتاريخ الكنيسة وتراثها وفكر آبائها ومواكبته بالارشاد الشخصيّ وتحصينه، إزاء الضعفات، بحياة الجماعة. لذلك ترى الحركة أن الفرقـة الحركية، التي تضمّ مجموعة أشخاص، بمواكبة مرشد، وتلتقي بشكل أسبوعي أو دوري لتتشارك الدراسة والشهادة والعيش، هي منطلق الحياة الحركيـة ومحورها التي منها يولد كلّ ما يتبع. ففي هذه الفرقة، الجماعة الصغيرة، يحيا الحركيّون وجوه الشركة بينهم، ومنها يتوجّهون الى تحمّل مسؤولياتهم الحركية والرعائية والشهادية.

الرؤية الرعائية التي يحملها الحركيون تهدف إلى أن يمسي الله مرجعَ كلّ عائلة ورجاءها ليصير كلُّ معمّد عضواً فاعلاً في عائلة الله الكبرى – الكنيسة. ونحن لا نرى سبيلاً الى هذا بغير الحضور المحتَضن والمعلّم للرعاة والجماعة الكنسية وسط الناس وفي قلب ما لديهم من هموم.  هذا ما يقتضي، في منظارنا، تحلّي الكاهن باستقامة السيرة ووجوه القداسة والمعرفة والقدرة على الاجابة على التساؤلات الحادّة لشباب اليوم، وأن تعكس الحياة الكنسية، ككلّ، وحدة جسد الربّ وبهائه للناس كي لا تكون وجوهُ هذه الحياة مصدر تشكيك للشعب بجمال الهنا وحافزًا للتغرّب عنه.

من صلب هذا الهمّ يبرز اهتمام الحركيين بالتكريس الكهنوتيّ حيث ولد من رحم الحركة مئات الكهنة وعدد لا يستهان به من الأساقفة والرهبان. ومنه أيضاً يبرز اهتمام الحركيين بحياة الكنيسة الانطاكيّة ووحدتها ووحدة الكنيسة الأرثوذكسية في العالم. فيعبّر الحركيّون عن هذا الاهتمام بحملهم هذه الهواجس في صلاتهم، وبمواكبتهم للأحداث الكنسية، وبتواصل المسؤولين مع غبطة البطريرك والسادة الأساقفة حول هذه الشؤون.

أما همّنا شهادي فيطال ثلاث أصعدة:

  • – الأول هو الصعيد الأرثوذكسي العالميّ حيث أن المساهمة في تفعيل وحدة الكنيسة الأرثوذكسية وشهادتها العالمية هي هاجس أساسيّ. وهذا قائم منذ أن ساهم الحركيّون في تأسيس سندسموس وفي عدم توفيرهم الجهد، الى اليوم، للمشاركة في اجتماعاته ودعمه كواحة لقاء وتشارك بين الشباب الأرثوذكسي من مختلف الكراسي الأرثوذكسية. ونجسّد هذا الهاجس، أيضاً، بدور مبادر نقوم به بين حركات الشباب الأرثوذكسية في الشرق الأوسط لتنمية اللقاءات والتواصل فيما بينها.
  • – الثاني هو  الصعيد المسيحيّ المسكونيّ حيث للحركة مشاركة قيادية في الاتحاد العالمي للطلبة المسيحيين في الشرق الأوسط. وأهمّ ما نهدف اليه من هذه المشاركة هو المساهمة في دعم أطر الشهادة المشتركة بين الشباب المسيحي والمشاركة فيها والتعرّف على خبرات مسيحية التزامية والتعريف بخبراتنا.
  • – الثالث هو الصعيد المجتمعي حيث تدفع الحركة أعضاءها الى التعاطي مع أي شأن يخصّ الحياة بمنظار إيماني دون أن يترفعّوا عن زرع الفكر الالهي في أيّ من ميادينها. هذا لتكون لنا مساهمة في أنسنة مجتمعاتنا وقيادتها الى نبذ العنف والظلم والاستهلاك وإلى مزيد من الحريّة والعدالة والحبّ والسلام. هذه المساهمة لطالما كانت في منظارنا بشارة حيّة بيسوع المسيح، بشارة تتغذّى من فعل المحبّة تجاه الفقراء شخوصًا الى وجه الربّ فيهم وتربيةً للحركيين على التخلّي والارتقاء الى حال المشاركة.

لنقل هذه المسيرة والاحاطة بها ومدّ دائرة المعرفة الايمانية تهتمّ الحركة بالنشر. القنوات الأهمّ لنشرنا هي مجلة النور، التي بدأت بالصدور غداة التأسيس واستمرت الى اليوم، والموقع الالكترونيّ الذي تأسّس منذ نحو عشر سنين، ومنشورات النور التي تُصدر الكتب الايمانية والفكرية منذ نحو ستين سنة والتي فاق عناوين ما أصدرته الثلاثمئة وبحيث تُغنيها مؤلّفات المطران جورج خضر والدكتور كوستي بندلي.

ينضوي في إطار الحركة، على مدى الكرسيّ الانطاكيّ، الالاف من العائلات والشباب العامل والجامعي والثانويّ. يساهم هؤلاء الأعضاء في جمع الاف الاطفال المراهقين وتربيتهم على الايمان. وتجمعهم هيكلية تنظيمية تكتسب خصوصية بين الحركات والهيئات المشابهة. فالحركيون يتوزّعون، في رعاياهم، على عدة فرق. وتنضمّ كلّ من الفرق الى أسرة تُحدَّد بحسب القطاع الذي ينتمي اليه أعضاؤها (أسرة الثانويين، أو الجامعيين، الخ). الهيئة القيادية للفرع الحركي في الرعية تضمّ، الى الرئيس، مسؤولي هذه الأسر ومسؤولي الأنشطة. الهيئة القيادية للمركز الحركيّ في الأبرشية الواحدة تضمّ، الى رئيس المركز، رؤساء الفروع الحركية ومسؤولي الأسر الحركية على هذا الصعيد ومسؤوليّ الأنشطة. الأمانة العامّة للحركة تضمّ، الى الأمين العام، رؤساء المراكز الحركية ومسؤولي الأسر والأنشطة على الصعيد الحركيّ العام. وكلًّا من هذه الهيئات تجتمع دوريًا لمواكبة العمل.

المهمّ أن هذا التشابك الوحدوي يترافق مع تربية الحركيين على ايلاء الأولوية لكلّ ما هو عام على ما هو محلّي وخاصّ. ذلك بهدف تمتين الوحدة الحركية عبر التواصل الشخصي بين الأعضاء، من أيّ مكان، وتبادل الخبرات على أوسع نطاق وتشارك الهموم. وفي إشارة الى الهويّة الواحدة للحركة على الصعيد الانطاكيّ، ومركزية هذه الوحدة في حياة الحركة، منح النظام الحركيّ الأمانة العامّة حقّ ضبط مسار الحياة الحركية، أينما كان، وحصرَ بها مرجعية العلاقات الكنسية والعامة في الأبرشيات وعلى الصعيدين الأنطاكي والعالمي.

تتواجد حركة الشببية الأرثوذكسية، اليوم، في أربع أبرشيات لبنانية، عبر خمسة مراكز حركية تضمّ عشرات الفروع،  وتتواصل مع العمل الشبابيّ القائم في سائر الأبرشيات اللبنانية. كما يتواصل الحركيّون مع الشباب في المدارس والجامعات. أما في سوريا فتتواجد الحركة في أربع أبرشيات وتتواصل، بشكل فعّال جداً، مع العمل الشبابي في الأبرشيات الأخرى.

ساهم الحركيون في بناء مراكز للمؤتمرات على أراضٍ تملكها الكنيسة وكذلك بيوت للحركة، وأسّسوا هيئات ولجان اجتماعية خادمة ومراكز صحية اجتماعية يشرفون على إدارتها وخدمتها في بعض الرعايا وعلى الصعيد الانطاكيّ العام.

لا نقول أن واقعاً مثالياً يسود الحياة الحركية. هي خلاصة يرتجيها الحركيّون دائماً من التزامهم. هذا الرجاء قد تُجسّده الحياة الحركية في أماكن وأحيان وقد لا تُجسّده في أماكن وأحيان أخرى. فالحركيّون، كسائر الناس، جماعة تعتريها ضعفات بشرية. يُخطئون، يضعفون وينفعلون. ولذا نحن نؤمن أن ما أُنجز، عبر الحركة، الى اليوم فإنما أنجزته يمين الربّ من خلالها. وهذا ما يقيمنا في رجاء أن يقبل الربّ منّا توبة تثبّتنا في الحبّ الالهي أبداً

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share