أحد الدّينونة – الإيكونوموس مخائيل الدبس

الإيكونوموس مخائيل الدبس Monday February 12, 2018 994

يضَعُنا أحد الدّينونة، قبل فترة الصّوم، أمام الربّ الدّيان بعدَ أن وضَعنا أحد الابن الشّاطر أمام الربّ الغفور، الرّحوم والمحبّ، لتكتمل أمامَنا الصورة الإلهيّة وتحفظَنا من الفتور والدّلع والاستهتار.

إنّ أهم ّما نلحظ في إنجيل الدّينونة هو عبارة  “ما لم تفعلوه”. فالربّ، بحسب رواية الانجيليّ متّى، فَصَل بين الخراف والجداء يميناً ويساراً. معيار الفصل بين هاتين الفئتين ينكشف لنا في الحوار الذي يأتي لاحقاً بين الربّ من جهة وبين هاتين الفئتين من جهةٍ أخرى. الأوّلون “يفعلون” والآخرون “لم يفعلوا”. موضوع الفعل هنا ليس سلبيّاً بل ايجابيّاً. موضوعه “فعل الرّحمة والخير والمحبّة”. فالتّصنيف هنا لم يكن بين زانٍ وعفيف، بين متكبّر ومتواضع، بين نمّام وعفيف اللّسان، بين كاذبٍ وصادق وبين سارقٍ وأمين. ليس للزّاني والمتكبّر والنمّام والكاذب والسّارق، ليس له مكان، أصلاً، أمام الربّ لا عن يمينه ولا عن يساره.

التمييز هنا بين فاعل خير ومُعرض عنه وليس بين فاعل خير وفاعل شرّ. يريد الربّ أن يتوجّه، من خلال هذا المقطع الإنجيلي، الى من حصَروا الوصايا والفضائل في وجهها السلبيّ، إلى من اعتقدوا أنهم باروّن لمجرّد أنهم لم يقترفوا الرّذائل والقبائح. فيا من تظنّ أنك بمأمن عن الشرّ والدينونة اذا ابتعدت عن الرّذائل، أنت مخطئ لأنّك إن لم تحصّن ذاتَك بفعل الخير، ستبقى أسير الشيطان، لأنّك لن تكون مع الله إلا اذا سلكتَ بالحبّ والفضيلة. لن تكون معه إلّا اذا أصبحتَ ابنَه، لن تخرج من الظّلمة إلّا باقتحامِ النّور، لن تَطرد الشرّ إلا اذا اقتنيتَ الخير مسلكاً لحياتك. فلن تُحاسَب فقط على الشرّ الذي فعلتَه بل وأيضاً على الخير الذي أعرضتَ عنه.

ونحن على أبواب الصوم، تدعونا الكنيسة لأن نعطي من صورَّ الله نفسَه بهم، وأن نكثّف عمَلَنا الاجتماعيّ ونقوّمَه. بالمناسبة نعود لنتذكَر وإيّاكم أموراً هامّة، نجعلها نصبَ أعيننا نحن العاملين في حقل العمل الاجتماعيّ الكنسيّ:

  • هدف العمل الاجتماعيّ في الكنيسة: قد يُخيَّل لنا أن هدفنا هو إطعام الجائع وكسو العريان وغيرها وننسى أن ملكوت الله ليس أكلاً وشرباً بل برّ وسلام وفرح في الرّوح القدس” (روم 14: 17). نقيس بمقاييس هذا العالم: كم أطعمنا؟ كم كسونا؟ وكم وكم…..

وبهذا الكمّ نقيس نجاحنا وفشلنا. هدفنُا يا أحبّة ملكوت الله، الفرح والسّلام والفضيلة. إن أردنا أن نطعم الجائع فلنفعل، وهذا هام جدَّا لأننا نريد أن نُدخِل الفرح والسلام إلى قلبه وأن نُبلِغه أن الله يهتمّ لجوعه وأنّنا لا نريد أن نملأ بطنه فقط بل نريده في شركةِ حبٍّ معنا، عضواً في جسد الربّ، مقتنياً للفضائل. فاذا توقّف عملُنا الاجتماعيّ عند حدّ إشباع البطون نكون قد فشلنا وتحوّلنا إلى جماعة تعبد بطونها. هذا فيما يتعلق بهدف عملنا تجاه المحسن إليه.

أما بالنسبة لهدف عملنا تجاه المُحسِن: نرى هنا ضرورة التذكير بأوضح الوصايا التي تركها لنا الربّ بهذا الشأن “إيّاكم أن تعملوا برّكم بمرأى من الناس لكي ينظروا إليكم”. وقد نعت الرب أمثال هؤلاء بـ”المرائين” الذين يعملون البرّ “ليعظّمهم الناس” (متى 6: 1- 4).

  • فلس الأرملة (لوقا 12: 41-44): لا نهمل العطايا المتواضعة الصّادرة من قلوب مُحبّة. قال الرب لتلاميذه عندما رأى تلك المرأة الفقيرة وقد ألقت فلسَين “أن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع”. لأنّها لم تُلقِ من الفاضل من حاجاتها كما يفعل الكثيرون بل ألقت كلّ ما تملك. أرأيتم كيف أنّ مقاييسنا في الكنيسة تختلف عن مقايسس العالم؟ كيف يفهم العالم أن ّمن ألقى مثلاً خمسة آلاف ليرة من معيشته هو أكثر عطاء ممّن ألقى المليون من ملايينه المخزّنة والتي لا حاجة له إليها؟

 

فلنحاول في هذا الصوم المبارك القادم علينا أن نوفّر ما أمكن من أموالنا وأن نقتطع من حاجاتنا لنعطي من هم بحاجة، فيكون عطاؤنا كاملاً ونصيبنا ثابتاً في ملكوت المسيح الذي له المجد مع أبيه وروحه القدّوس إلى الأبد. آمين.

 

الإيكونوموس مخائيل الدبس

61 Shares
61 Shares
Tweet
Share61