الوطن، في رؤيتنـا، سماءٌ مؤقتة، ننشده فضاء حرّية وحبّ وتناغم ثالوثيّ خادم.
عنايتنا به شهادةٌ يثمّنها الربّ لأنها ترجمةٌ من ترجمات عشقنا لمَن ثمَّنه وافتداه، ولما وطأت قدماه.
هي عناية تتمايز، فلا أنـا فيها، تولد من رحم الشخوص الى فداء الآخر، تأتي من الانجيل فينا لتصير بنا صرخةَ المسيح وبصمته فيما خصّ شؤون الأرض وعَناها.
نحن نحضر في هذه الشؤون ونهتمّ ونشارك، وإنّما بتعالٍ دائمٍ إلى فوق، تعالي المُكتَفين بإلههم. لا تعنينا ارادة حزبٍ أو زعيم ولا قومٍ أو ملّة. تعنينا إرادته هوَ، فنبحث عمَّن في سيرته وطرحه ما يدنو من هذه الارادة ويخدمها فنسمّيه مسؤولاً، أو ننتدبه، عنّا.
إرادة الهنا أعلنها لنا على الصليب. ليست هي أن ينتصر هذا من الناس على ذاك، فالكلّ أبناؤه، ولا أن يعلو شأن طائفة على أخرى، فالكلّ خَلقه، ولا أن يستسيغَ أبناؤه عصبةً أو تفرقةً أو حقدًا أو مهانة سبيلاً الى انتصار، فهذا انكسارٌ لهم وموت لأنه أفولٌ للفضائل فيهم، فيما لا انتصار لهم بغير أن تغلب قيامتهم، يومًا، الموت.
إرادته واحدة، أن تُغرَس رايات ملكوته في الأرض، فينتصر التخلّي على الطمع، والسلم على العنف، والعدل على الظلم، والوحدة على التجزئة، ويعلو شأن الحرّيات والحقوق، وتُطرى القلوب وتؤنسَن المجتمعات ويزيدُ الإبداع ويُنَصَّب الفقراء، دون غيرهم، سادةً على الحكّام.
هذا ليسَ شِعرًا ووَهمًا. هذا الانجيل إن صدّقناه. ودماؤه التي تلوّن أرضنا تقول: “ما لم يروني الناس حياةً فيكم، ما مِن انجيلٍ تعرفون مهما لغوتم بكلمات وحروف” .
فكيف لنا أن نكون أمناء، “أبناء”، في حياةٍ وطنيّة بعيدة عن السماء؟ كيف لنا أن نكون هنا آتين من فوق؟
يبقى هذا، أبدًا، شأننـا في رحاب سرّ الحرّيـة.
رينيه أنطون