نحن واحد – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Tuesday June 26, 2018 1163

يلفتك في الكنيسة أنّها المكان الوحيد الذي يجتمع فيه غير المؤمنين في رغبة محبّة، رجالاً كانوا أو نساء، فقراء أو أغنياء، أصحّاء أو معوّقين، بسطاء في الفهم أو عظماء فيه. ذلك بأنّ السيّد المذبوح من أجل الجميع يرفعهم إلى مرتبة واحدة هي مرتبة حبّه، وكأنّه يقول للمرأة المقهورة (وأحيانًا الرجل مقهور) إذا كان زوجك لا يرى فيك إلاّ متعة أو خادمة لأولاده وما كان لكِ عنده قدر، فأنتِ رفيقتي لأنّ من صفّكِ جاءت مريم أمّي وأمّ العالمين وجاءت حاملات الطيب، وبلغت رفيقاتك من القداسة شأنًا عظيمًا.

ويقول المخلّص للفقير: أنا لا أساويك مع الغنيّ فإنّي ساويتك بنفسي، وأنت إن أحببت فصبرت وغدوت رفيق فقير الناصرة فلا يفوقك أحد في المجد، لأنّك علوت عرش التواضع ولا عرش سواه.

ويقول السيّد المبارك للمعوّق: أنت سليم في ما هو عميق وقادر على عظمةٍ والقلب في شجاعة وإقدام، فإن شُلَّت يداك أو رجلاك فلا خلل في فكرك، لأنّ الكراهية هي وحدها الإعاقة وقد يستكبر الأصحّاء. إذ ذاك هم المقعَدون.

وينادي الربّ إليه البسطاء بقوله: «كلّ شيء قلب»، وأنت في المسيحيّة مجالك الطهارة والعطاء والفهم الذي أودعه الله القلب، وكثيرًا ما يأتي الفكر المتفذلك ضدّ القلب النقيّ. فالعطاء الذي تعرفه المسيحيّة فيض حبّ فإن امتنع هذا الفيض عن إنسان ليس هو على شيء.

ويتوجّه هؤلاء معًا إلى الكأس المقدّسة متواضعين فتعرف الجميلة في حضرة يسوع أنّ جمالها تراب حتّى تتناول قربانًا فاعلاً، ويذوق الغنيّ أنّه فقير إلى رحمة ربّه وأنّه عديل المحتاجين أو أدنى منهم لئلاّ يدينه جسد المسيح. ويرى السليم أنّه يتزكّى بشكره لئلاّ تجلب عليه الصحّة الوافرة كارثة الاستعلاء، ويقتنع المثقّف بأنّه إن لم يضع معرفته عند قدمي المصلوب فالمعرفة صالبة.

ولكنّ الخطر يداهمنا بعد القدّاس الإلهيّ فتخرج الجميلة متبخترة والأغنياء زاهين أو يتصدّقون في ترفّع وإحساس بالمنّة، ويوزّع المثقّفون الكلام الذكيّ هنا وثمّة في تغرغر وتبجّح فيبطل، إذ ذاك، أثر المناولة فينا يكون كالكلب الذي عاد إلى قيئه كما يقول الكتاب (٢بطرس ٢: ٢٢).

العالم الذي فيه المسيحيّون تنبسط فيه التفاهات ومنتشر فيه العمى، إذ لا يعرف السليم أنّه ليس أبهى من المعوّق، ولا الرجل أنّه ليس بشيء من حيث إنّه ذكر وأنّه يصبح شيئًا فقط برئاسة المسيح عليه، ولا يذوق المتعّلم أنّ ذرّّة من المحبّة أثمن من قنطار من العلم. وإذا سقطنا إلى هذه الدركات يكون القدّاس الإلهيّ قد تحوّل ألحانًا بيزنطيّة بلا مضمون، وكأنّ المسيح لم يمت ليجمعنا إليه ويوحّدنا بعضنا ببعض.

وتعود الدنيا مسرحًا للشياطين فـي مجتمع مسيحيّ، ولا نكون قد أخذنا الكنيسة إلى العالم لنجعله هو الكنيسة ولنهيّئ في هذا العالم ملكوت الله. المعبد ليس محجّة أخيرة، إنّه انطلاقة إلى العالم.

لماذا لا نكون فيه جماعة إلهيّة ونرتضي أنفسنا فيه طائفة لا روح قدسًا فيها. المحبّة بين الفئات المختلفة هي روح النخبة المضيئة التي نسمّيها المسيحيّين.

المطران جاورجيوس

نشرة رعيتي

1 تموز 2018

99 Shares
99 Shares
Tweet
Share99