الملاك الحارس

mjoa Wednesday June 3, 2020 379
  • “ما هو الملاك الحارس؟ كيفية شرحه حسب أعمار الشُعَب”*

1 – إن عبارة “ملاك الله” أو “ملاك الرب” إنما هي أساساً، في الكتاب المقدس، تشير لا إلى كائن متمايز عن الله بل إلى الله نفسه في ظهوره للناس (هذا ما يظهر مثلاً في قصة هاجر: قارن بين تكوين 7:16 وتكوين 13:16). ثم توضحت الفكرة في التراث اليهودي، فأصبح يُنظر الى “الملاك” على أنه مخلوق متميّز عن الله يرسله الله (وهذا هو المعنى الأصلي لعبارة ملاك، إن في العبرانية “مَلأَك” أو في اليونانية Aggelos: إنـها تعني المرسَل أو الرسول) ليتمم مقاصده في الكون. ومن هذه المقاصد مرافقة أحباء الله في مساعيهم، ورعايتهم وحمايتهم وهدايتهم أثناء تتميمها. من هذا الباب نرى إبراهيم يرسل خادمه إلى الأرض التي منها خرج، ليأتي منها بزوجة لولده إسحق، قائلاً: “… الرب سيرسل ملاكه أمامك فتأخذ زوجة لابني من هناك” (تكوين 7:24). ومن هذا الباب أيضاً نرى الملاك روفائيل يرافق طوبيا في سفره ويقيه من المخاطر (راجع طوبيا 4:5 وما بعدها). وقد ورد بـهذا المعنى في المزامير: “يعسكر ملاك الرب حول خائفيه وينجّيهم” (مزمور 7:33). وأيضاً: “لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك في جميع طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك” (مزمور 11:90 و12).

2 – من هنا تبلورت في المسيحية فكرة “الملاك الحارس”، وهو كائن غير منظور مرسَل من الله لكي يكون رفيقاً لكل إنسان طيلة حياته فيحميه من المخاطر ويلهمه إلى الخير. إن هذه الفكرة إنما هي تعبير عن حضور الله المحبّ في حياة كل إنسان فيحفظه وينيره ويرشده. إن انتداب ملاك لرعاية كل واحد منا تعبير عن الأهمية الفريدة التي يتخذها كل إنسان في نظر الله. وملازمة الملاك لنا طيلة حياتنا إنما هي تعبير عن ديمومة اهتمام الله بنا وسهره علينا.

 

3 – من هذا المنظور ينبغي أن نحدث الأولاد عن “الملاك الحارس”، أي من حيث أنه تعبير عن اهتمام الله المستمرّ بنا ورعايته الدائمة السهر علينا. بعبارة أخرى ينبغي، في الحديث عنه، أن نركّز على الله مرسله لا عليه هو، لئلا يتحول في نظر الأولاد إلى نوع من إله ثانٍ يجرهم إلى موقف وثني، أو أن يتراءى لهم أن الله بعيد ولكن الملاك الحارس قريب فينصبّ اهتمامهم على الملاك الحارس، ويهملون الله أو يتجاهلونه. المهمّ، لكي نبقى في خط الكتاب وروحه، أن يبقى الملاك الحارس تعبيراً – ولكنه مجرد تعبير – عن حنان الله وحضوره المحيي في حياتنا.

 

4 – المهم أيضاً هو أن نتحاشى تقديم الملاك الحارس للأولاد على أنه رقيب على أعمالهم متربّص بـهم ليسجّل كل شاردة وواردة صدرت عنهم فيحاسبهم عليها، أو نوع من الجاسوس يلتقط كل ما يفعلون وكل ما يفكرون به لينقله إلى الله فيسجله هذا في دفتر حساباته، وكأن الحارس تحوّل، والحالة هذه، إلى حارس سجن، إلى سجّان يحصي على المسجون أنفاسه. إن هذه الصورة الإرهابية عن الملاك الحارس تنحرف بإيمان الأولاد إلى هوامات (أي: تصوّرات خيالية) مؤذية مكبّلة تضخّم لديـهم سلطة “الأنا الأعلى” القمعيّ وتعيق تخطيه التدريجي إلى حرية واعية مسؤولة، كما أنـها تشوه صورة الله في أذهانـهم وقلوبـهم** وتحوّله إلى إله ساحق ينبغي التحرّر منه بالتمرّد والنكران***.

 

5– أما كيفية تقديم الملاك الحارس لمختلف الأعمار:

أ – فقد نقدمه بين الرابعة والثامنة (أي في شعبتي “المستنيرين” و”الزارعين”) على أنه صورة والديّة، نظراً لما يتسم به هذا العمر من حاجة كبيرة إلى الوالدين (خاصة في شعبة “المستنيرين”)، فنقول للأولاد أنه يرافقهم في حضور الوالدين وغيابـهم وأنه يحنّ عليهم كما تحنّ عليهم الأم ويحميهم باقتداره كما يحميهم الأب ويرشدهم إلى طريق الخير كما يفعل الوالدان، موجهاً إرشاده إليهم لا بالكلام المسموع بل من خلال ما يخطر على بالهم من أفعال طيبة.

ب – أما بين الثامنة والثانية عشرة (أي في شعبتي “الصاعدين” و”الشاهدين”)، في مرحلة تنمو فيها علاقة الولد برفاقه ويزداد فيها استقلاله عن والديه، كما أن علاقته براشدين خارج نطاق الأسرة (كالمعلمين مثلاً) تشغل مركزاً هاماً في وجدانه، فيمكننا أن نشبه الملاك الحارس برفيق كبير يلازم الولد ملازمة رفيق عزيز له ولكنه رفيق بالغ الذكاء والفطنة يوجهه إلى ما فيه خيره ومنفعته الحقيقية كما يفعل المعلم أو المرشد. وفي هذه المرحلة من العمر التي يتيقظ فيها صوت الضمير عند الولد فيصبح قادراً إلى حد ما على أن يرى بنفسه ما هو الخير وما هو الشر دون أن يكون في هذا المجال مجرد صدى لصوت الوالدين كما كان في السابق، يمكننا التأكيد على أن صوت الملاك الحارس يختلط بصوت الضمير ليوجه الولد في طريق الخير.

 

6– هذا، وإذا كان الملاك الحارس أساساً رسالة حب وحنان وهداية يوجهها الله لنا، فمن الطبيعي أن لا تقتصر هذه الرسالة على هذا الكائن غير المنظور بل أن تتعداه إلى أناس منظورين يصادفهم الولد في حياته وقد يلعبون، بشكل دائم أو ظرفي، دور الملاك الحارس بالنسبة إليه، فيعطفون عليه ويحمون ويعضدونه في أعماله ويساعدونه على رؤية الأمور بشكل أوضح وأفضل ويلهمونه إلى ما فيه الخير لنفسه والآخرين. فالأهل والإخوة والكهنة والمعلمون والمرشدون والرفاق والأقارب وأناس قد يلتقي بـهم الولد في هذا الظرف أو ذاك قد يكونون بالنسبة إليه امتداداً للملاك الحارس، يومئ الله عبرهم إليه، ويعبّر له عن حبّه له واهتمامه به. ينبغي أن نلفت الولد إلى أهمية الانتباه إلى ذلك والاستفادة منه والشكر عليه.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* طُرح هذا السؤال في إطار حلقة التدريب التي عقدت في 24/3/1989 لمرشدي الطفولة في أبرشية طرابلس الأرثوذكسية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

**Cf André Godin: Le Dieu des parents et le Dieu des enfants. “Trois etudes de psychologie religieuse, Casterman, 1963, pp.15-17.

*** عن خبرة هذا الإله الرقيب الساحق وأثرها المدمّر في شخصية سارتر، راجع:

Jean-Paul Sartre: Les Mots, Gallimard, Paris, 1965, p.83..

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share