القيامة عند الشباب والاستمراريّة في المسيحيّة

mjoa Saturday July 25, 2020 192

لا أدري كيف يفهم الشباب القيامة. ولربّما كان من المفيد أن يطرح السؤال عليهم وأن تُنشر الأجوبة… ذلك بأنّه على مدى فهمهم القيامة يتوقّف عمق عملهم وقيمته ومتانته، بل على مدى فهمهم القيامة يتوقّف استمرارهم في الطريق المسيحيّة، وكم من الذين كانوا في طليعة الحركيّين حماسة واندفاعًا قد تركونا بين يوم وآخر… المسيح قام حقًّا، ويجب أن يدخل ذلك في ذهننا وقلبنا وحياتنا، وإلاّ «فباطل إيماننا» وباطلة حماستنا وهي تذهب مع الريح…
فالمشكلة، إذًا، بالنسبة إلى الطلاّب الحركيّين أن يجسّموا مثاليّتهم «ويوقّعوها»، أي أن تصبح مثاليّتهم واقعًا، وواقعًا مجسّمًا قابلاً للحياة. وسيتوصّلون إلى ذلك بقدر ما تكون القيامة عندهم، لا فكرة أو ذكرى أو موسمًا فقط، بل حقيقة وحقيقة يوميّة: حقًّا قام.
القيامة عند الرسل والتلاميذ هي المسيح القائم من القبر والعائش معهم. هي ظهور المسيح لمريم المجدليّة، وللتلميذين الذاهبين إلى عمواص، وللرسل «والأبواب مغلقة» ولتوما، وللرسل أثناء الصيد وعندما أكل معهم سمكًا وعسلاً… القيامة هي حضور المسيح الناهض من القبر ومشاركته حياتنا العمليّة، سواء أكنّا حزانى نفتّش عنه كمريم أو مسافرين كتلميذي عمواص، أو مجتمعين والأبواب مغلقة خوفًا من اليهود، أو مشكّكين مثل توما أو أثناء العمل أو عند الطعام إلخ…
إنّها حضور المسيح الحقيقيّ والسرّيّ معًا في حياتنا اليوميّة، ليعزّينا أو يرافقنا وينير أذهاننا أو ليعطينا سلامه ويثبّتنا، أو ليمنح عملنا الثمر الذي لا نستطيع أن نجنيه بدونه أو ليبارك طعامنا… وحضوره هذا سرّيّ وحقيقيّ في آن واحد، سرّيّ لأنّه يتّصل بالعالم الآخر، بالعالم الأبديّ الذي أوشك أن يدخله يسوع أو دخله ولم يزل بعد على الأرض قبل صعوده، وحقيقيّ لأنّ هذا العالم الأبديّ والسرّيّ قائم بيننا، في هذا العالم المادّيّ بعينه بكلّ تأكيد؛ وقد أكّد لنا يسوع ذلك بالقول والفعل: «إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم»، و«ها أنا معكم إلى انقضاء الدهر»، وما حضور التلاميذ بعد القيامة بهذه الأشكال المختلفة إلاّ برهان حسّيّ لاستمرار حياة المسيح مع تلاميذه في كلّ أشكال حياتهم ومراحلها.
ولنلاحظ أنّ حضور المسيح في حياة تلاميذه هو بدون ضجّة ولا كلام كثير. إنّه يظهر للمجدليّة «كأنّه البستانيّ» واقفًا بجانبها وهي تبكي على سيّدها لأنّها لا تعرف أين أخذوا جسده… إنّه يرافق تلميذي عمواص كرجل غريب ولا يعتلن لهما إلاّ ويختفي فورًا، ولكنّ قلبيهما كان يحسّ بشيّ على الطريق… إنّه يظهر لبطرس ورفاقه المنهمكين في الصيد، وهو على الشاطئ من بعيد، وهم لا يجرأون أن ينادوه ولكنّهم عرفوا «أنّه المعلّم»، وأنّه يأكل معهم سمكًا مشويًّا وعسلاً من دون مقدّمة ولا عتاب، كأنّهم لم ينكروه ويتركوه وحده يتألّم ويصلب ويموت. وبذلك يدخل حياتهم مباشرة وبكلّ بساطة، وحياتهم اليوميّة في أبسط مظاهرها: العمل والطعام. إنّه يظهر للرسل مجتمعين ليمنحهم سلامه، ثمّ ليقول لتوما ذلك العتاب الرقيق: «لا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا»…
هذا هو حضور المسيح بيننا ومشاركته حياتنا ومرافقته لنا حقًّا وواقعًا لأنّه المسيح الناهض من القبر حقًّا؛ حقًّا قام… وعندما «نسجد لقيامة المسيح المقدّسة» فنسجد ليسوع الناهض من الأموات والحاضر معنا. ونقول له مع المجدليّة «رابّوني، يا معلّم»، ومع الرسل «إنّه المعلّم»، ومع توما «ربّي وإلهي».
هذا هو جوابنا للقيامة. هذه هي قيامة المسيح الحقيقيّة الواقعيّة الملموسة، التي ليست فكرة أو تصوّرًا أو ذكرى، بل حقيقة وحياة. وهذا هو الأساس العمليّ لحياتنا وعملنا في الطريق المسيحيّ إذا أردنا أن نتابع الطريق… l

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share