“حيث لا تشاء” (يوحنّا ٢١: ١٨)

mjoa Saturday July 25, 2020 116

إنّ سِيَر القدّيسين المفصّلة غالبًا ما تكون مليئة بالفائدة الروحيّة، إذا ما قرأناها بتأنٍ وعمق وبنعمة الروح القدس. فها هي، مثلاً، سيرة القدّيس بطرس هامة الرسل البالغة الأهمّيّة.
قال الربّ يسوع لبطرس: يا سمعان بن يونا، أتحبّني أكثر من هؤلاء؟ فلم يقل: يا بطرس، أتحبّني. وهذا جرى ثلاث مرّات. أي أنّ الربّ يسوع يتوجّه إلى بطرس بهويّته الطبيعيّة وليس إلى من دعاه هو، أي بطرس الصخريّ. ونعلم كيف كان جواب بطرس: أنت تعلم، يا ربّ، أنّي أحبّك.
ولنلاحظ أنّ في أسئلة الربّ تدرّجًا يتنازل: أوّلاً: أتحبّني. ثم أتودّني (بدون أكثر من هؤلاء) ثمّ أتودّني فقط.
وعند جواب بطرس بالإيجاب، يقول له كلّ مرّة: ارع خرافي. أي أنّه يجب أن يرعى خرافه بطاقته الطبيعيّة أوّلاً، ثمّ بنعمة الربّ.
ويقول له: إذ كنت شابًّا، كنت تتمنطق كيف تشاء، وعندما تصير شيخًا، يمنطقك آخر يذهب بك حيث لا تشاء. ولكن، لمّا سأل بطرس عن التلميذ الآخر، الذي كان يسوع يحبّه، أجابه، إذا شئت أن يثبت إلى أن أجيء فماذا لك. أنت اتبعني. أي اتبعني بطاقتك وبنعمتي.
ونلاحظ هذه المشادّة في حياة بطرس مرّات أخرى. فلمّا سأل الربّ وأنتم من تقولون إنّي. أجاب بطرس أنت مسيح الربّ، ثمّ لمّا قال الربّ إنّه ينبغي أن يسلم إلى أيدي الناس ويصلب، قال بطرس: حشاك، يا ربّ، فأجابه: اذهب عنّي يا شيطان.
ولمّا تبعه بطرس إلى دار الولاية، وكان يستدفئ، وقال الحاضرون هذا كان مع المتمرّدين، أنكر أنّه يعرفه وذلك بحلفان ولعنة… ثمّ خرج وبكى بكاء مرًّا.
ولمّا قال بطرس: إن شكّ فيك الجميع، فأنا لا أشكّ بتاتًا. قال يسوع: في هذه الليلة تنكرني ثلاث مرّات. فقال بطرس: لو اضطررت إلى أن أموت معك، لا أنكرك… ونعلم كيف أنكره.
ورغم ذلك لم يقصه الربّ، بل قال له اتبعني، وكأنّه يريد أن يخلّصه رغمًا منه.
هكذا يريد الربّ يسوع أن يخلّصنا رغمًا منّا. يعرف ضعفنا وعجز طبيعتنا، لكنّه يتبنّانا كما نحن، وبنعمته يعيدنا دومًا إلى طريق الخلاص. فلم يرد أن يقصي بطرس، بل تبنّاه حتّى النهاية. حتّى طلب بطرس أن يصلب بالمقلوب، فكفّر عن ذنب حياته…

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share