«الحزن يفسد النفس»

الأرشمندريت إلياس مرقص Monday August 17, 2020 181

الأرشمندريت إلياس مرقص

 

وردت هذه الجملة في كتاب التريودي الذي تصلّيه الكنيسة في فترة الصوم الكبير.

«الحزن يفسد النفس»، أي إنّه لا يحدث فيها خللًا فقط، بل يخرجها عن أصالتها، عن طبيعتها التي خلقت عليها. فالله لم يخلق النفس للحزن بل للفرح: «أعبدوا الربّ بفرح» (مزمور ٩٩: ٢)، «إفرحوا أيّها الصدّيقون بالربّ» (مزمور ٩٦: ١٢)، «ليفرح البحر وكلّ ما فيه، والمسكونة والساكنون فيها» (مزمور ٩٧: ٧).

لا شكّ في أنّ مسبّبات الحزن كثيرة، في الواقع، ومتنوّعة… ولكن ينبغي ألّا نغرق فيها، بل أن نتخطّاها، وإلّا، كما يقول النبيّ داود، تكون النتيجة: «قد أنتنت وقاحت جراحاتي» (مزمور ٣٧: ٥). ولذا يتوسّل عدم الوقوع في الحزن «لا يتسرّب إليّ أيّ حزن» (مزمور ٢٩: ١٢)، و«ارحمني، يا ربّ، لأنّي حزين» (مزمور ٣٠: ٩).

ولكن هناك إلى جانب الحزن النفسانيّ الحزن الروحانيّ، الحزن على خطايانا. ويبدو أنّ هذا الحزن لا بدّ منه في الحياة الروحيّة، إذ «إنّه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله» (أعمال ١٤: ٢٢). وإلهنا إله مصلوب يدعونا إلى حمل صليبنا وراءه.

ولكنّ هذا الحزن أيضًا يجب أن نتخطّاه، ونصل إلى القيامة: «أن نصعد في وادي البكاء إلى المكان الذي نقصد» (مزمور ٨٣: ٥ و٦).

ولهذا الصعود شروط منها:

١- الشوق: فالإنسان ما يشتاق إليه. في المزامير، صرخات شوق كثيرة تدلّ على روح النبيّ داود الذي كان «رجلًا حسب قلب الله» (أعمال ١٣: ٢٢)، وبخاصّة المزمور ١١٨، المنسوج بذلك الشوق الجميل: «طوبى للذين لا عيب في طريقهم» (مزمور ١١٨: ٢)؛ وصلاة اسم يسوع مبنيّة على الشوق، شوق الخلاص وشوق العبادة؛ والشهداء ما كانوا لولا شوقهم الكيانيّ الأقصى إلى الله.

٢- الاتّكال على رحمة الله: «لتكن يا ربّ رحمتك علينا كمثل اتّكالنا عليك». أهمّيّة موقفنا نحن في الصلاة: «ما تطلبونه في الصلاة آمنوا بأنّكم تنالونه» (أو قد نلتموه) (مرقس ١١: ٢٤). نحن على صورة الله، ولذلك يجب أن نكون في يقين، يقين الإيمان، وتاليًا في شكر وفرح وسلام. «رحمتك، يا ربّ، تتبعني جميع أيّام حياتي». وعند ذاك نذوق حلاوة الحياة مع الله.

٣- الفيض: الخروج من الذات بفيض، فيض الصلاة وفيض الأعمال، فيض الترتيل والتسبيح، وذلك كما يرد في المزامير: «بكلّ قلبي». «بكلّ قلبي وذهني»، «بالروح القدس تفيض سواقي النعمة ومجاريها». لا حياة بدون فيض على مثال الشلّالات، وإلّا يكون النتن.

٤- الاتّضاع: وهو الأهمّ الأهمّ، فبدون الاتّضاع، كلّ فضائلنا وجهاداتنا النسكيّة باطلة على الإطلاق. ضرورة اتّضاع لا حدّ له، ضرورة معرفة الذات بالعمق والحسرة على عجزنا والدموع وحتّى المرور باليأس، ولكن المتخطّى بالربّ… ثمّ الرأفة على كلّ الناس وعدم معاينة الباطل «لأنّ الربّ ذكرنا في مذلّتنا، فإنّ إلى الأبد رحمته» (مزمور ١٣٥: ٢٣).

أخيرًا، «كثيرة هي أحزان الصدّيقين، ومنها جميعها ينجّيهم الربّ» (المزمور ٣٣: ١٩).

 

المرجع : مجلّة النور، العدد الثاني، ٢٠٠٨.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share