السامريّة

مرسيل مرقص Monday August 17, 2020 116

(يوحنّا ٤: ٥ – ٤٢)

 مرسيل مرقص

      هذا جرى في السامرة بل هذا ما يجري كلّ يوم وفي كلّ مكان، وكلّنا على هذه الأرض في السامرة.

كلّ يوم، يأتي يسوع وهو تعب من سفر ألفي عام ويطلب ماء من سامريّ أو سامريّة…

يا له من سفر طويل. ألفا سنة من صحراء قاحلة، ألفا سنة من رجاء فخيبة واكتئاب ونداء فسكوت ووحدة، ألفا سنة الآم، واحتضار على الصليب… ويسوع عطشان…

يسوع، لو لم يكن إلهًا، لكان منذ زمن بعيد قد يئس من أن ينال شيئًا من العالم! لكنّ رحمته لا نهاية لها. يسوع هو الذي قال: اطلبوا تجدوا، اسألوا يعطَ لكم. وهو منذ ألفي سنة يسأل ويطلب. يسأل كلّ واحد منّا ويطلب منه ماء. يسأل لا لنعطيه نحن ماء – وأيّ ماء نستطيع أن نعطيه إن لم يكن خلًّا! – لكن ليعطينا هو. هو عطشان لا إلى شرب الماء بل إلى إعطائه.

ويسوع لو لم يكن إلهًا لكان منذ زمن بعيد قد يئس من أن يعطي شيئًا إلى العالم، لكنّ رحمته لا نهاية لها…

فلننصت إلى نداء السيّد… هي الساعة السادسة، وها المساء يقبل. نحن في جوّ من الهدوء والوحدة. نحن وحدنا أيّها المسيح بعيدون عن العالم وتجاربه، بعيدون عن كلّ ما تتعلّق به قلوبنا، فكلّمنا أيّها المسيح ردّد نداءك لنا… كم يكون صوتك حلوًا هذا المساء ولربّما نسمعه أخيرًا… نقول إن لديك ماء حيًّا، ماء يروي العطش إلى الأبد…فكيف ذلك أيّها السيّد؟ الماء الذي لدينا يعطشنا إلى الأبد، وهو ماء نشرب منه دومًا ولا نرتوي، ماء يحرقنا حرقًا ونحن عبيد له.

هل لديك إذًا ماء يهدي ويروي، ماء ليس كلّه عطشًا بعطش، ماء جوهريّ ذو نكهة وطعم. هل لديك حقًّا هذا الماء يا سيّد؟

إذا كان لديك فاعطنا منه حتّى لا نأتي أيضًا ونأخذ كلّ يوم من ماء العطش والهلاك، أعطنا منه لأنّ هذا الماء هو الذي نفتّش عنه، وفي هذه الدنيا لا نفتّش عن شيء سواه. لأنّنا أيّها السيّد، مستقيمون في الحقيقة، لا نطلب إلّا أن نجد، وإذا وجدنا حقًّا فإنّنا سوف لا نتهرّب، وإن كنّا حتّى الآن لم نعرف كيف نفتّش فنحن مستعدّون لنعمل ما تقوله لنا… ماذا تريد أن نفعل؟

… تقول لنا أيّها المسيح: اذهبوا وادعوا خطاياكم… تقول لنا ما فعلناه، تذكّرنا أيّها المسيح بحقارتنا… ونحن نقبل، سوف ندعو خطايانا واحدة واحدة إن أردت أيّها السيّد ونعترف بها أمامك. بهذا سوف نقول الحقّ وبكلّ تواضع سوف نعترف. الاعتراف هو عربون الفداء والمحبّة فنحن نضع أمام قدميك عربوننا أيّها السيّد…

… الآن… أين ينبغي أن نسجد؟ قوم يقولون لنا هنا وقوم هناك أمّا نحن فلا نعلم، فأين ينبغي أن نسجد أيّها السيّد؟ أفي هذا الجبل إنّه لعالٍ علينا؟ أهناك في الأماكن المقدّسة؟ إنّها لبعيدة يا سيّد، أين ينبغي أن نسجد؟

– «إنّها تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب… بل بالروح والحقّ».

– ها إنّ الساعة أتت أيّها السيّد. فلننحنِ ونسجد… بالروح والحقّ سوف نسجد هنا حيث نحن بكلّ بساطة سوف ننحني ونسجد، في أفراحنا وأتراحنا سوف نسجد، في هنائنا وفي ذلنا سوف نسجد، من وسط آثامنا سوف نسجد… وأنت سوف تخلّصنا يا سيّد…

… أنت سوف تمكث معنا يومين أيّها المسيح، سوف تمكث يومًا… ساعة كي نشعر لحظة بوجودك الإلهيّ، كي نجد فيك القوّة والثقة والسلام، أنت السلام الوحيد والحقيقة الوحيدة. أنت هنا بيننا أنت ملموس أنت دائم، فامكث معنا أيّها السيّد.

بدونك، انظر ماذا يجري بنا. انظر أين نذهب أيّها السيّد. تعال أرشد خطانا وبدّد الظلام الذي يحيط بنا. ردّنا إلى النور. ردّنا إلى أنفسنا.

نريد أن نكون طاهرين، كريمي النفس، أقوياء، نريد أن نسير ورأسنا عالٍ وقلبنا معتزّ، نريد أن نصطبغ بالفضائل الصعبة النيّرة، في الاستقامة والطهارة والكرامة. نريد أن ننهض كلّ مرة نفع فيها. نحن لا نخاف ممّا هو عالٍ وصعب… وجميل. نحن لسنا أقلّ من غيرنا… لكن امكث معنا أيّها السيّد!

  

   المرجع: مجلّة النور، العدد الخامس عشر، ١٩٤٦.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share