المساءلة الكنسيّة ومواقع التواصل الاجتماعي

رينه أنطون Wednesday February 2, 2022 370
تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي، من حينٍ إلى آخر، بقضايا شائكة و “حسّاسة” تعترض حياة كنيستنا الأرثوذكسية وتتحدّاها، يطرحها بعض المؤمنين، بعلمٍ بالمعطيات كانوا أم بغير عِلم، وبحيث تنقسم الآراء، وبحدّة، حولها.

لا شكّ أنَّ لجوء المؤمنين الى مواقع التواصل الاجتماعيّ لفتحِ ، ونشرِ، قضايا كنسية مسلكيةٍ هو حالة تقتضي المعالجة نظرًا لما باتَت تُلحقه من تشهيرٍ وانتهاكٍ للكرامات، وأذىً بالكنيسة وضررٍ بمكانتها في ضمائر الناس، والأهمّ لما بدأت تُرخيه، وتُرسّخه، من انقساماتٍ خطيرة بين أبنائها. ولتصحّ هذه المعالجة وتعكس وعيًا مشتركًا وتكاملاً بين الرعاة والمؤمنين في الدور والمبادرة، فانها تقتضي من المسؤولين الكنسيين بضع خطوات، اضافةً الى ما يعني أبناء الكنيسة ويُلحَظ من دعواتٍ تعليمية و”أخلاقية” لهم للكفّ عن هذا السلوك.

باكورة هذا المسار هو أن يعيَ أبناءُ الكنيسة أنّ الكنيسةَ، “بوجهها المؤسساتي” وتفرّعاته، ورغم ما يُناط بها من دور رياديّ في القيادة والرعاية والتعليم والارشاد والتربية على الفضائل الانجيلية والقِيم الايمانية، يبقى شأنُها شأنَ سائر البشر والهيئات والمؤسسات والحركات والجماعات، تضمّ أبناءً ورعاة يسعون ويجاهدون في مسيرةِ التزامٍ وتوبةٍ، غير منزّهين، يُصيبون ويُنجزون ويتألّقون ويُخطئون ويفشلون ويضعفون ويسقطون. هذا الوعي، إنْ وجُِدَ، يغلّب التعقّل على المشاعر والانفعالات والتحزّبات ازاء اي قضيّةٍ كان، ويدفع الجميع الى انتظارِ نتيجة الخطوات والاجراءات والحقائق والاحكامِ المتعلّقة بها قبل أيّ توجّه آخر، ويفسح المجال للآليةِ القضائيّةِ الكنسيّة أن تعملَ بحريّة الحقّ دونَ ضغوطٍ مُشهِّرة، رادعَة لحرّيتها، أو موجِّهة لها، وبالتالي مُغيِّبة للحقيقة.
وما يُرتجى من الرعاة، في سياق المعالجة، أن يلحظوا اختلاف مقتضيات الزمن عمّا سبق، ويتعاطوا مع المؤمنين كأبناءٍ مسؤولين مشاركين، واعين راشدين. فيُطلّون عليهم بوحدة موقف وشفافية مقاربةٍ تختلف عمّا سبق وشهدناه في اكثر من قضية، ويصارحونهم بجرأة وحكمة ودون غموض بمجريات القضايا المطروحة (خاصةً منها تلك التي تمسي قضايا “رأي عام”) وبخلاصة ما توصّل إليه قضاءُ الكنيسة حولها من حقائق وأحكام. وهذا بغاية احقاق الحقّ وحفظ بهاء كنيسة المسيح وتمتين ثقةِ الأبناء وثباتهم في حياة الكنيسة. وهنا، لا بدّ من الاشارة إلى أهميّة ما حمله البيان البطريركي، الذي صدرَ أولّ من أمس، من مصارحةٍ وشفافيةٍ على هذا الصعيد.
وما لا يقلّ شأنًا وأهميّة، في السياق ذاته، هوَ أن يقتنع المسؤولون الكنسيّون أنّ الأمور في الكنيسة لن تستوي، وحياتها لن تستقيم، بغير زلزلَةِ هذا الجمود فيها، ورفع وطأة التفرّد والمأسسة والأشكال المُقيِّدة لعمل الروح عنها. وهذا مدخله الكفّ عن تهميش المؤمنين، والتعامل معهم بما يُجسّد “عائلية” الكنيسة، ليس عبر تنفيذ القوانين الرعائية وحسب، بل، أيضًا، عبر ابتداع أطر ومساحات داخلية للحوار والشورى والمصارحة والمساءلة الأبوية البنوية، والبنوية الأبوية، وما يُتيح لأصحاب القدرات والطاقات والخبرات المشاركة في ورشٍ جدّية للتفكير والتخطيط لما يصون حياة الكنيسة ويطوّر مؤسّساتها ويفعّل تربيتها ورعايتها وحضورها وشهادتها ويُعالج غربة الشباب عنها، ويساهم في تنفيذ ما سبق اقراره في المؤتمر الانطاكيّ العام ٢٠١٤.
اختصارُه، إنّ المدخلَ الى زلزلة الجمود، وكسر المراوحة هو أن نُعيد للبنوّة مكانتها في ضمير الأبوّة الكنسية.
يبقى، ختامًا، أن نسلك جميعًا بموجِب “أننا ضدّ الخطيئة ولسنا ضد الخاطئ”، بسببٍ من محبتّنا له وحرصنا على توبته وخلاصه والكلّ. وأن نُسأَل عمّا يثبّت ويرسّخ، ويحفظ، ويصون استقامة ما بدأنا نشهده في السنوات الأخيرة من مسار مساءلةٍ في كنيستنا ناشدين منه ما يُرضي الربّ، والربّ فقط، ومسائلين أنفسنا، أولاً ودائمًا، مُقرًّين بضعفاتِنا وخطايانا ساعين الى توبتنا عنها وضارعين لكي يترأفّ الله بنا جميعًا ويرحمنا.
رينه أنطون

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share