لا تقسّوا قلوبكم

الأخ فادي سليمان Monday June 19, 2023 316

نشهد في حياتنا الكنسيّة وعلى مدار السّنة الطقسيّة، حوادثَ حصلت مع أشخاص التقاهم الربّ يسوع، منهم التّلاميذ أنفسهم، والمخلّع والسّامرية والأعمى والمرأة الزّانية وزكّا العشّار… كان لهؤلاء الأشخاص مسار طويل مع الزّمن. كلٍّ منهم كان يتخبّط في مشكلته، كما يتخبّط اليومَ كلٍّ منّا في خطيئة، في ضعفٍ، في مشكلة، في همّ، في مرض، في عطب، في شحٍّ اقتصاديّ أو عاطفيّ…

حياة هؤلاء الأشخاص كانت فيها نقطة تحوّل أتت نتيجة مرور شخصٍ فيها، هو شخص الربّ يسوع، إذ لم يكن مروره، كما نقول بالعاميّة “مرور الكرام”، بل أنبل وأكرم مرور. كان مرورًا أصاب الهدف، فأصبح حدثًا في حياة كلّ منهم. والأهم من كلِّ ذلك أنَّهم جميعًا، بعد مروره، أقاموه ربًّا عليهم بإيمان وثقة دون سابق معرفة أو علمٍ به. وهذا الرّبّ لم يتركهم مع جراحهم وفي ظلماتهم، فقد مسح بفعل مروره كلَّ حزنهم، بل أكثر، مسح عنهم ومنهم كلّ تساؤل قد يكون طيّ الكتمان، لماذا أنا يا ربّ؟ لماذا ضاعت سني حياتي؟ لماذا أتحمّل كلّ هذا؟ فهذا العبور لم يترك لهم إلّا عطشًا للربّ، لا للأسئلة البائسة. فهؤلاء تركوا شباكهم، وذاك حمل علّته، وتلك نسيت جرّتها وذلك استهزأ بمن كانوا يستهزئون به وبأهله…

هذا كلّه يذكّرني بتخلّعي، بغرقي بفساد نفسي وعدم بصيرتي وتبصّري. نعم فالمخلّع والسّامرية والأعمى وكلّ من مرّ به الربّ يسوع، رغم أنّهم أشخاصٌ تاريخيّون، لكنّهم كسائر شخصيّات الكتاب، إنّما يخاطبنا الله عبرهم. فلننتظر مثلهم إذًا مرورَ الله واثقين بإيمان أنّه سيمسح، كما فعل مع هؤلاء في هذه الحياة وفي الحياة الأبديّة، سيمسح كلّ دمعة وكلّ تساؤل، حسب قول الرّسول الحبيب يوحنّا: “وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ”(رؤ 21: 4). ولنكن متأكدّين أنّ ما نمرّ به اليوم هو فرصة لنتعلّم أن نلتقط مرور الله في حياتنا. فالفضّة تتنقى من شوائبها بالفرن والنّار. فمتى وضعها الصائغ هناك انتظر مراقبًا أن تظهر صورته فيها ليعلم أنّ أوان اعتاقها الفرن قد حان، “فَيَجْلِسُ مُمَحِّصًا وَمُنَقِّيًا لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لاَوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِيَكُونُوا مُقَرَّبِينَ لِلرَّبِّ، تَقْدِمَةً بِالْبِرِّ” (ملاخي 3: 3). هكذا نحن متى بان الله أو مرّ في حياتنا وأدركنا أنّنا صورته، صار الأتون ندى والحزن فرحًا.

يبقى السؤال الأخير متى يمرّ الله في حياتنا؟
يذكّرنا رسول الأمم بولس في رسالته إلى العبرانيّين بما ورد في العهد القديم: “الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الإِسْخَاطِ” (عب 3: 15). فعندما نيأس من مرور الله أو مخاطبته لنا، لنتذكّر أنّنا مدعوّون كلّ يومٍ إلى سماع صوته، فهو يكلّمنا كلّ يوم، لكن المطلوب هو أن نلتقط هذا الصّوت، أن نتعلّم ونتقنَ كيف نسمعه، فندرك ساعتئذٍ حضورَ الله ومروره اليوميّ في حياتنا.
[6/19, 10:49 AM] Loubna Fares Elhajj: والمقال
خاص لموقع الحركة
الأخ فادي سليمان (مركز عكّار)

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share