وُلد القدّيس إيريناوس، الذي يشير اسمه إلى السلام، حوالي العام 140م. في آسيا الصغرى. اتّبع، في أوّل شبابه تعليم الشيخ القدّيس بوليكاربوس أسقف إزمير، الذي نقل التراث المقتبَل من القدّيس يوحنّا الحبيب. هكذا تعلّم حفظ الأمانة للتراث الرسوليّ في الكنيسة. من هنا قوله: “لقد جعل الله في الكنيسة الرّسل والأنبياء والآباء والمعلّمين وما سوى ذلك ممّا يمّت بصلة إلى الرّوح القدس. من هذا الرّوح يُقطع كلّ الذين رفضوا اللّجوء إلى الكنيسة، فحَرموا أنفسهم الحياة بعقائدهم الفاسدة وأعمالهم المختلّة. فإنّه حيث الكنيسة هناك يكون روح الله، وحيث يكون روح الله هناك تكون الكنيسة وكلّ النعمة. والرّوح هو الحقيقة”. بعد أن أقام في رومية، كهَن في كنيسة ليون في بلاد الغال (فرنسا)، زمن اضطهاد الإمبراطور ماركوس أوريليوس، في حدود العام 177م. وبصفته كاهن تلك الكنيسة، نقل إلى البابا ألفتاريوس الرّسالة العجيبة الّتي وجّهها الشهداء القدّيسون في ليون إلى المسيحيّين في آسيا وفيرجيا يصفون فيها جهاداتهم المجيدة لدحض شيعة مونتانوس الهرطوقيّة. والحقّ أنّ الشهداء يقوون على ضعف الجسد و يحتقرون الموت بقوّة الرّوح القدس. فإنّ بَذل النفس هو الشهادة السامية للحقّ وعلامة غلبة الرّوح القدس على الجسد وعربون رجائنا بالقيامة. إثر عودته إلى ليون خلَف القدّيس بوتينوس الأسقف الذي اقتبل الشهادة، رأساً لكنائس ليون وفيينا. كأسقف استلم القدّيس من التقليد الرسوليّ “موهبة الحقّ الأكيدة” ليذيع الإنجيل ويفسّره. كرّس حياته، مذ ذاك، للشهادة للحقّ، على غرار الشهداء، لذا علّم: “علينا أنّ نحّب بأقصى غيرة ما هو من الكنيسة والإمساك، بقوّة بتقليد الحقّ”. عمِل على هداية الشعوب البربريّة إلى الإيمان، شمَلت رعايته كلّ الكنيسة. تعود شهرة القدّيس إيريناوس إلى مؤلّفه “ضدّ الهرطقات” الذي يتناول فيه الغنوصيّين ذوي الإسم الكاذب. هؤلاء يستمدّون معرفتهم المزعومة من التركيبات الذهنيّة المنحرفة والأساطير. فالغنوصيّة تعني “المعرفة”.
هو نقَض طروحاتهم مبيّناً هذيانيّتها، يؤكّد أنّ الغنوصيّة الأصيلة هي العطيّة الفائقة للمحبّة الّتي يسبغها الروح القدس على المسيحيّين في البنية الحيّة للكنيسة. فقط في الكنيسة بإمكاننا أن نرتشف الماء الزلال الذي يجري من الجنب المطعون للمسيح ليعطي حياة أبديّة. كلّ التعاليم الأخرى إن هي سوى آبار مشقّقة لا تضبط ماء. سعي القدّيس إلى دحض الهرطقات كان مناسبة لبسط إيمان الكنيسة القويم. ابتعد عن اتّجاه الفلسفة الهلّينيّة والثنائيّة الّتي يقيمها بين الجسد والنفس ليؤكّد تعليم القدّيس يوحنا الإنجيليّ الحبيب أنّ “الكلمة صار جسداً”. هذا لإبراز معنى ما كان الإنسان من أجله. فإنّ آدم الأوّل أُبدع من الطين بيدَيْ إلهه، الكلمة والروح كصورة لله طبقاً لنموذج جسد المسيح الممجّد، وأنّ نسمة الحياة أُعطيت له لكي يتقدّم من كونه على صورة الله إلى صيرورته على مثال الله. ورَد أنّه قضى شهيداً خلال حملة اضطهاد الإمبراطور سبتيموس ساويروس للمسيحيّين، حوالي العام 202م. لكن لم يحفظ التاريخ لنا أي تفصيل في هذا الشأن. أودع جسده مدفن كنيسة القدّيس يوحنّا الّتي أصبحت، فيما بعد، على اسمه.