القدّيس نيقيطا الكييفيّ

mjoa Wednesday January 31, 2024 288

Nikitiaلمّا كان نيقون البارّ رئيسًا في دير الكهوف في كييف، وُجد أخ اسمه نيقيطا رغِب في الرّفعة بين الناس فطلب أن يكون ناسكًا. منَعه الرّئيس وقال له: “ليس نافعًا لك، يا بنيّ، أن تجلس بطّالًا لأنّك صغير السِّن. خيرٌ لك أن تبقى بين الإخوة وتعمَل من أجلهم. لا تجازف بخسران أجرك، لقد رأيتَ كيف أخانا إسحق الكهفيّ خدعَته الأبالسة. ولو لم ينجُ، بنعمة الله، بصلوات الآباء الأبرار لَهَلِك”. فأجاب نيقيطا: “لن تنطلي عليّ حِيَل الشيطان. سوف أسأل الرّب الإله أن يُنعم عليّ بموهبة صنع العجائب”. فقال له نيقون: “ما أنتَ تطلبه يفوق طاقتَك. انتبه، يا أخي، لئلّا ترفع نفسك فتسقط. أنا آمرك أن تعمَد إلى خدمة الأخويّة وستحظى بالإكليل إن أطعتَ”. فلم يؤثّر كلام نيقون في نيقيطا وعمِل مشيئة نفسِه. أقفل الباب وصار لا يخرج خارجًا.
ولم تمضِ أيّام على ذلك حتّى جرّبه المجرّب. ففيما كان يرتّل، مرّة، سمع آخر يرتّل معه واشتمّ رائحة طيب، فانخدع وقال لنفسه: “لو لم يكن هذا ملاكًا لما صلّى معي ولا كانت رائحة طيب الرّوح القدس هذه”. فأخَذ يصلّي بإلحاح قائلًا: “أظهر ذاتك لي يا سيّد لأراك”. فإذا بصوت يقول له: “لن أكشف ذاتي لك لأنّك فتى لئلّا تنتفخ وتسقط”. فأجاب المتوحّد بدموع: “لن أنخدع يا ربّ لأنّ رئيسي علّمني ألّا أعير حبائل الشيطان اهتمامًا؛ لذلك أنا مستعدّ أن أفعل كل ما تأمرني به”. فقال له عدوّ الخير: “يستحيل على الإنسان أن يراني وهو بعد في الجسد. لذلك سوف أرسل ملاكي ليبقى معك. إفعل ما يأمرك به”. للحال وقف به أحد الأبالسة وقال له: “لا تصلِّ”. فقط اقرأ في الكتب لأنّك من خلال الكتب سوف تجد نفسك في حوار مع الله وسوف تتمكّن من إسداء النصح للناس الذين يأتون لزيارتك. وأنا، من جهتي، سوف أصلّي باستمرار إلى خالقي من أجل خلاصك”.
انطلَت الحيلة على نيقيطا فتوقّف عن الصلاة وانكبّ على القراءة والدَّرس. رأى إبليس يصلّي من أجله على الدوام ففرح واطمأنّ بالُه. وإذ أخذ الناس يأتون إليه علّمهم ونصحَهم وبدأ يتنبّأ لديهم. فصار مشهورًا، وتعجّب الجميع لنبوءاته التي كانت تتحقّق في حينها. حتّى الأمير إجاسلاف تنبّأ له نيقيطا وصدَقَت نبوءته، فكان هذا كافيًا لذيوع صيتِه بين الكبار والصّغار. كذلك لم يكن بإمكان أحد أن يجادله في أمر كتُب العهد العتيق لأنّه تعلّمها جميعًا وحفظها عن ظهر قلب. أما الأناجيل المقدّسة وكتاب الرسائل فلم يبدِ أيّة رغبة لا في رؤيتها ولا في سماعها ولا في قراءتها ولم يسمح لأحد أن يكلّمه عنها. لهذا السبب تيقّن الآباء المختبَرين هناك أنّ نيقيطا انخدع من الشيطان. فاجتمعوا وجاؤوا إلى الناسك المدّعي وطردوا إبليس من أمامه بصلاتهم. مذ ذاك لم يعد نيقيطا يراه. ولمّا أخذ الآباء يسألون المخدوع عن العهد العتيق تبيّن لهم أنّه لا يعرف منه شيئًا. حتّى القراءة نسيها بالكلّية وصار كوَلَد يتهجّأ الحروف.
بعد ذلك تاب نيقيطا وسلَكَ في الطاعة الكاملة وتعلّم الاتّضاع، ففاقَ سواه في الفضيلة حتّى صار أسقفًا لنوفغورود. وقد اجترح، بنعمة الله، عجائب جمّة فأنزَلَ المطر وأخمَدَ حريقًا في المدينة. بقيَ على ذلك إلى أن رقد بسلام مكمَّلًا بالقداسة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share