كان فلاسيوس طبيبًا أرمنيًّا مُحِبًّا لله والناس، رؤوفًا رحيمًا، سالكًا باستقامة ومخافة الله، حافظًا نفسه من الخطيئة. أكبره المؤمنون في سبسطيا واختاروه رئيسًا للأساقفة عندهم. وقد أبدى من الغيرة على الإيمان والمؤمنين بيسوع القدر الوافر، لا سيّما في زمن الاضطهاد الكبير الذي حلّ بكنيسة المسيح في مطلع القرن الرّابع الميلادي. فإنّه اعترف بالإيمان بشجاعة وشدّد المقبوض عليهم على الثبات إلى النهاية. كما زار القدّيس أفتراتيوس في سجنه سِرًّا وأقام له الذبيحة الإلهيّة، واهتمّ بجمع رفات القدّيسين الخمسة الذين نعيّد لهم في 13 كانون الأوّل (أفستراتيوس وأفكسنديوس وأفجانيوس ومرداريوس وأوريستوس). ولم يمضِ عليه وقت طويل حتّى اعتزل في أحد الجبال في الجوار وأقفل على نفسه في مغارة راغبًا في رفع الصلوات النقيّة إلى الربّ الإله. اجتذب بصلاته وحسن سيرته أعدادًا من الوحوش والضواري. أخذوا ينتظرونه عند مدخل المغارة ليتمّم صلاته ويخرج إليهم بالبركة.
وفي زمن ولاية أغريكولاوس على بلاد الكبّادوك، قدم هذا الأخير إلى سبسطيا، في غمرة حملات الاضطهاد للمسيحيّين، وإذ كان في نيّته أن يُلقي المعاندين إلى الوحوش، أرسل كوكبة من العسكر إلى الجبل ليمسكوا بعض الحيوانات المفترسة حيّة. ولمّا بلغ الجُند مغارة رجل الله رأوا ما أدهشهم وأربكهم، عاينوا عددًا كبيرًا من الأسود والنمور والدببة والذئاب وسواها تحتفّ به بسلام. فانسحبوا بهدوء وبلّغوا الوالي فأمرهم بتوقيف فلاسيوس. فلمّا قدموا إليه استقبلهم بلطف وتبعهم كالحمل الوديع. وفي الطريق، كان فلاسيوس منظرًا للناس غيرَ عاديّ. كثيرون تأثّروا بوداعته، شيء عجيب فيه كان يجذب السكّان إليه، حتّى المرضى مسحَتهم العافية أثناء مروره بهم، وقد قيل أنّ بعض القوم اهتدى إلى الإيمان بفضله.
في سبسطيا أوقف فلاسيوس للمحاكمة فاعترف بيسوع بجرأة وجهر ببطلان الأصنام، فجلَدوه وألقوه في السجن. ثمّ أتوا به من جديد وعذّبوه فبرزت سبع نساء من بين الحضور أخذنَ يجمعنَ نقاط دمه تبرّكًا غير مباليات بمصيرهنّ. فقبض الوالي عليهنَّ وحاول استعادتهنَّ إلى الوثنيّة عبثًا. وبعد أخذ وردّ أمر بهنَّ فضُربت أعناقهنَّ جميعًا.
أما فلاسيوس فلمّا عجز الوالي عن استرداده بالتعذيب لفظ بحقّه حكم الإعدام فتمّ قطع رأسه، هو وولدَين اثنين كانا لإحدى النساء الشهيدات. يُذكر أنّ تكريم فلاسيوس شامل الشرق والغرب معًا. وقد درج المؤمنون، جيلًا بعد جيل، على اللّجوء إليه حِفظًا لبهائمهم وصحّتها.
طروبارية القدّيس فلاسيوس
صرتَ مشابهًا للرّسل في أحوالهم وخليفة في كراسيهم فوجدتَ بالعمل المرقاة إلى الثاوريّا أيّها اللّاهج بالله لأجل ذلك تتبّعتَ كلمة الحق باستقامة وجاهدتَ عن الإيمان حتى الدّم أيها الشهيد في الكهنة فلاسيوس فتشفّع إلى المسيح الإله في خلاص نفوسنا.