استُشهد بمفليس ورفقته البالغ عددهم أحد عشر في قيصرية فلسطين في زمن الإمبراطور الرومانيّ مكسيمنوس ديا في حدود العام 307 للميلاد. قيل إنّ بمفيلس بيروتيّ الأصل أقام في الإسكندريّة وكان جِدّ متحمّس لمعلّمه ليباريوس واعتنى بالفقراء. صبّ اهتمامه على السلوك في الفضيلة والتأمل في الكتاب المقدس. ثمّ انتقل إلى قيصريّة فلسطين حيث أضحى كاهنًا واهتمّ بالمدرسة اللّاهوتية التي أسسّها أوريجنّس هناك. وكان يزدري بكلّ الأمجاد الأرضيّة، والحياة الفلسفيّة النسكيّة وفاقَ الجميع بصفة خاصة في الانكباب على الأسفار الإلهيّة، وهو لا يكلّ عمّا يعهد إليه ومساعدته لأقاربه ومعارفه. طلب منه حاكم فلسطين أن يقدّم الذبائح للأوثان فأبى، فما كان من الحاكم سوى أن عرّضه للتعذيب وألقاه في السجن.
أمّا فالنس وكان شمّاسًا من إليا، ومكرَّمًا لشيبته الوقورة، واسع الاطّلاع على الأسفار الإلهيّة أكثر من أي شخص آخر. وقد حفظها عن ظهر قلب حتّى إنّه لم يكن في حاجة للرّجوع إليها إن أراد استعادة أي فقرة من الكتاب المقدّس. ثالث الشهداء كان بولس من بلدة يمنيًّا. اشتهر بغيرته وحرارة روحه وقبل استشهاده عانى الكيّ بالنار. بقي الثلاثة في السّجن سنتَين. ولمّا حان وقت استشهادهم وصل إخوة من مصر واشتركوا معهم في الآلآم. دفَع المصريّون الخمسة إلى القاضي، وهؤلاء الخمسة لُقّبوا بالأسماء التالية: إيليا، إرميا، إشعياء، صموئيل، ودانيال. وخطر ببال القاضي أنّ هؤلاء المسيحييّن يعدّون لبناء مدينة معادية للرومانييّن، فأشبع الخمسة ضربًا وتعذيبًا، ولكن على غير طائل. ولمّا لم يظفر القاضي ببغيته حكم على الخمسة بالموت.
وتحوّل فرمليانوس إلى بمفيلس ورفيقيه فسألهم ما إذا كانوا مستعدّين لأن يكونوا أكثر تعاونًا وطاعة فألفاهم على موقفهم، فحكم على الثلاثة بالموت. فطالب برفيريوس، كان خادمًا لبمفيلس، دفن أجسادهم. فطلب القاضي إلقاء القبض عليه وإخضاعه للتعذيب. وأمام ثبات برفيريوس أمَر القاضي بشيّه على نار خفيفة فأسلم الرّوح.
ونقل سلوقس رسول من المؤمنين بيسوع نبأ موت برفيريوس إلى بمفيلس، وهذا الرّسول ترك الجيش وقد وضع نصب عينيه الاقتداء بالنسّاك، كما ظهر كأنّه أسقف، نصير للأيتام والأرامل اللّواتي لا سند لهنَّ. ومع هذه الرّسالة أهّله الله لمصير الشهداء. فساقَه الجنود إلى الوالي الذي أمَر بموته. فجاهر ثيوذولس أحد خدّام الوالي بإيمانه، فغضب سيّده عليه أكثر ممّا غضب على الذين تقدّموه وحكم عليه بالموت صلبًا.
أمّا الثاني عشر والأخير فهو يوليانوس، الذي وصل من سَفر واندفع ليرى الشهداء يتساقطون، فتقدّم وقبِلهم جميعًا وكلّه جسارة وفرح. فألقى الجند القبض عليه، وساقوه إلى الوالي الذي أمر بطرحه في نار بطيئة. فشكَر ربّه بصوت عالٍ بعد أن أهّله لنيل إكليل الشهادة. تُركت أجساد القدّيسين الطاهرة المباركة طعامًا للوحوش أربعة أيام وأربع ليال. وبفضل عناية الله لم يقترب إليها شيء، لا وحوش ضارية ولا طيور جارحة ولا كلاب. وقد رُفعت سليمة وبعد الاستعدادات المناسبة دُفنت بالطريقة العاديّة. وقد ذُكر إنّها نُقلت في وقت لاحق إلى أنطاكية ومنها إلى القسطنطينية.
طروبارية القدّيسين
شهداؤك يا ربّ بجاهدهم، نالوا منك الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنّهم أحرزوا قوّتك، فحطّموا المغتصبين، وسحقوا بأس الشياطين الّتي لا قوّة لها، فبتوسّلاتهم أيّها المسيح الإله، خلّص نفوسنا.