
محبّته المتّقدة لله هي التي حدَت به، لمّا حانت ساعة الدفاع عن الإيمان القويم،إلى امتشاق سلاح الاعتراف بإزاء التدابير التي شاءها الإمبرطور البيزنطيّ لاون الأرمنيّ (813 -820 ) لمحو إكرام الإيقونات وخنق أصوات مكرّميها. ولكن بوشاية المتملّقين المتزلّفين وصغار المنتفعين المدّاحين بلغ الإمبراطور خبر القدّيس. فما كان منه سوى أن عرّضه للتعذيب إرهابًا له وزعزعة لثباته. غير أنّ الصبر الذي أسبغه عليه الربّ الإله أطفأ حدّة العذابات وثبَت القدّيس في محبّة الله والإيمان القويم بالأكثر. مثله كان مثل الحديد المغمسّ بالماء بعد اتّقاده بالنار. إثر ذلك نُفي إلى أحد جزر أرخبيل الأمراء فأقام في الأسر وعانى أشدّ المعاناة لكنه، هنا أيضًا، وجد الحرمان والتجارب، من أجل محبّة المسيح، مصدرًا للطيبات، تمامًا كما اعتاد أن يغرف من التّعزيات الإلهية بخوض غمار النسك.
فلمّا جرى اغتيال الإمبراطور لاون الخامس، أُطلق سراح نيقيفوروس وسائر المعترفين. لكنّه بدل أن يعود إلى ديره، توجّه إلى بيثينيا طلبًا للعزلة، في مكان مقفر يُعرف باسم سيبازي. وقد بذل جهودًا جبّارة لاستصلاح المكان وتأهيله للسّكن. إثر ذلك، أخذ العديد من طلاّب الحياة الرهبانيّة يجتمع إليه منجذبًا بإشعاع سيرته المبرورة. كان للجميع صورة حيّة للحياة الرّهبانية، يعلّم بصمته أكثر مما يعلّم بأحاديثه الطويلة. ضربت المجاعة في زمانه، تلك الأنحاء، فشرَعَ رجل الله يمدّ المستجبرين به بما تيسّر في مخزن الدير من مؤن. وزّع بلا حساب ولم يبالِ بإمكان نفاذ المؤن وما قد يترتّب، من جراء ذلك، من نتائج على الشركة وإمكان استمرارها. وبنعمة الله لم تنفذ المؤن، لا بل زادت بشكل عجائبيّ، وهكذا أمكن القدّيس نيقيفوروس أن يساهم بنعمة الله في نجاة سكّان تلك الناحية من المجاعة. لمّا حانت ساعة مفارقته الحياة الدنيا، أوصى تلاميذه بألّا يتراخوا في جهاداتهم الرّوحية وأن يثبتوا أمناء للوصايا الإلهيّة والتراث الكنسيّ المقدّس. ثمّ رقد في الرب، بسلام.