تذكار القدّيسيَن المجيدَين الملكَين العظيمَين المتوّجَين من الله والمعادلَي الرّسل قسطنطين وهيلانة (+القرن الرابع الميلاديّ)

mjoa Tuesday May 21, 2024 170

constantine-helenالقدّيس قسطنطين الكبير هو أوّل إمبراطور مسيحيّ صار، بنعمة الله، وكما دعته الكنيسة “رسول الربّ بين الملوك”.  ترعرع في ساحات المعارك، وأخذ عن أبيه أن يسوس بحكمة الخاضعين له وأن يرأف بالمسيحيّين. أما أمّه هيلانة فقد سلكَت في الكمال المسيحيّ بجِدّ كبير، فتبادر إلى مؤازرة  وبناء الكنائس وأغنتها بالزينة والآنية الثمينة. أمضى قسطنطين سحابة من عمره أسيرًا في وسط وثنيّ، في قصر ذيوكلسيانوس الذي أبعد والده إلى بلاد الغال.
أخيرًا تمكّن قسطنطين من تحوّل إلى الغرب، فأُسندت كرسي الحكم إليه إثر وفاة والده، وبذلك دخل في صراع مع الطامعين، من الأباطرة والقياصرة واستجار به أهل رومية التي كانت عاصمته، فاجتاح بيسر مدن إيطاليا من الشمال، وتابع سيره إلى أن وصل إلى ضواحي رومية حيث حشَد مكسنتيوس قوّات تفوق قوّات قسطنطين عددًا وعدّة.
وقيل إنّ قسطنطين صعِد إلى مكان عالٍ وعاين أعداءه وعرف تفوّقهم فارتبك. فإذا بصليب هائل يظهر في السماء عند الظهيرة قوامه نجوم وحوله استبانت الكلمات التالية باللّغة اليونانية: “بهذه العلامة تغلب”. ثمّ في اللّيلة التالية ظهر له الربّ يسوع نفسه وأوصاه بإعداد صليب مماثل للصليب الذي عاينه في الرؤيا وأن يرفعه بمثابة راية على رأس جيشه. إذ ذاك تلألأت علامة الغلبة من جديد في السماء. فآمن قسطنطين من كلّ قلبه أنّ يسوع المسيح هو الإله الأوحد، خالق السماء والأرض، الذي يعطي النصرة للملوك ويرشد الكلّ إلى النهاية التي سبق فرآها من قبل كون العالم. فشرَع قسطنطين في إعداد صليب من الفضة وأعطى الأمر أن يوضع على رأس العسكر، وانكب باجتهاد على قراءة الكتب المقدّسة. فلمّا دارت رحى المعركة المصيريّة عند جسر ملفيوس، حقّق قسطنطين، بنعمة الله وقوّة الصليب، نصرًا كاسحًا وغرق مكسنتيوس وضبّاطه في نهر التيبر. فدخل قسطنطين رومية، رافعًا الصليب فوق النّصب الرئيسيّة في المدينة، وردّ للمسيحيّين كلّ ممتلكاتهم كما أرجع المنفيّين وحرّر الأسرى. وبعد أشهر وقّع قسطنطين الإمبراطور مع ليسينيوس، مرسومًا وضع حدًّا لاضطهاد المسيحيّين وأجاز لهم ممارسة إيمانهم بحريّة .
أخذ قسطنطين يروّج للمسيحية. وردّ للأساقفة اعتبارهم ولمَع نورُ الحقّ  في الغرب في حين عانى المسيحيّون الظلم في الشرق وانقلب ليسينيوس على الاتّفاق الذي أبرَمه مع قسطنطين، فاستعَرَ في كنفه اضطهاد المسيحيّين من جديد. ولمّا بلغ قسطنطين تغيّر الأحوال في المشرق وما يلاقيه المسيحيّون من إجراءات تعسّفية، جمع جيشًا قويًّا واتّجه صوب الشرق فدحر ليسينيوس. وأصدر قسطنطين مرسومًا أعلن فيه أنّ الله وحده يجب اعتباره صاحب انتصاراته وأنّه هو مَن اختارته العناية الإلهية ليكون في خدمة الصّلاح والحقّ.
بعد أن أحرز قسطنطين انتصاره على ليسينيوس، دعا كلّ أساقفة المسكونة إلى نيقية، إلى أوّل مجمع مسكونيّ مقدّس، ليستعيد وِحدة الكنيسة ويرسّخها، بعدما تهدّدتها هرطقة آريوس. وقد أدان المجمع آريوس وأتباعه. وتقرّر الاحتفال بالفصح المجيد، حيثما كان، في تاريخ واحد، بمثابة علامة لوِحدة الإيمان. في السنة التالية جرَت عمادة الإمبراطورة هيلانة، وخرجت إلى فلسطين حاجّة، وقد تسنّى لها خلال رحلتها أن تكتشف موضع الجلجلة وأن تُخرج الصليب الأقدس من تحت الركام، وأمَر قسطنطين بتشييد بازيليكا فخمة، في المكان، جعلها باسم كنيسة القيامة. وزارت القدّيسة هيلانة أماكن مقدّسة أخرى وبنَت كنائس في بيت لحم وجبل الزيتون. وقد أطلقت الأسرى وبدّدت الحسنات في الشرق كلّه. وبعدما أكملت سعيها رقدت في الرب عن عمر ناهز الثمانين. جرت مراسم دفنها في القسطنطينيّة وتمّ نقل جسدها إلى رومية حيث يُشاهد اليوم تابوتها الحجريّ في متحف الفاتيكان.
helenأما قسطنطين فكان يشجّع انتشار المسيحيّة، كما حوّل، في العمق، القوانين الرومانيّة بحيث أخضعها لروح الرّأفة الإنجيلية، وارتقى أن يكون يوم الأحد يوم عطلة في كل الإمبراطورية. ومنع الاحتفال بالأعياد الوثنيّة، واهتمّ بحماية الفقراء من ابتزاز الأقوياء، وخفّف الضريبة السنويّة. حمَل شابور الثاني ملك الفرس على المسيحيّين في مملكته، واجتاح أرمينيا، فخرج قسطنطين للدفاع عن المسيحيّين، لكنّه مرض ونُقل على وجه السرعة إلى ضواحي نيقوميذية حيث جرت عمادته، وكانت وفاته في يوم العنصرة المجيدة. ونُقل جسده المعادل الرّسل إلى القسطنطينية حيث جرت الصلاة عليه بحضور شعبيّ كثيف، ثمّ أودع كنيسة القدّيسين الرّسل، وسط الأضرحة الحجرية الفارغة للاثني عشر رسولًا.

طروبارية القدّيسَين قسطنطين وهيلانة
يا رب إنَّ قسطنطين الذي هو رسولك في الملوك، لمّا شاهد رسم صليبك في السماء عياناً وبمثابة بولس قبِلَ الدَّعوة  ليس من البشر، وأودع بيدكَ المدينة المتملِّكة، فأنقذها بالسلامة كلَّ حين، بشفاعات والدة الإله يا مُحبَّ البشر وحدك.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share