العشّار المتواضع – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Tuesday February 3, 2015 109

العشار المتواضع – المطران باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأحباء
هو الأحد الأول من الآحاد الأربعة التي نستعد بها وبمعانيها للدخول في صوم الفصح العظيم المقدّس. تعلمنا فيه الكنيسة أن التواضع هو حصن الفضائل وبدونه قد يخسر الإنسان أتعابه الروحية دفعة واحدة وبغير انتباه وقد يستغل الشرير ميلَ الإنسان المتكبر للتعب ليلقيه في الكبرياء وهي السيئة التي لا ينتبه إليها الكثيرون.
في هذا الصوم علّمتنا الكنيسة أن نأخذ دور العشار المتواضع الذي لم يشأ أن يرفع عينيه إلى السماء بل خجلاً من العلي القدير أخذ يقرع على صدره ويتوجه إلى الله بقوله: “يا الله اغفر لي أنا الخاطئ”. قالها بكل صدق: فسمع الله صراخه الصامت كما سمع صراخ موسى في صمته وهو يتضرّع إلى الله أن يأخذ روحه بدلاً عن الشعب، مع أن موسى كان جالساً يعالج أفكاره في داخله من غير أن يلاحظ أحد معاناته إلا العلي القدير فطلب إليه أن لا يعود يصرخ إليه. ألا يقول النبي متوجهاً إلى الأغنياء والإقطاعيين أن أصوات تَظلُّمِ الفلاحين والعمال قد وصلت إلى أذني رب الجنود. وأن الله هو الذي سينتقم لهم.

farissyتعلمنا الكنيسة أن نقلّد العشار الذي يعرف ذاته فينظر الله إلى أعماق قلبه وينظر في عيني نفسه ليزيل عنهما أية غشاوة لحقت به أو ثقلَ الخطيئة لينقيه لأن المتواضع يلقي بنفسه في حضن الله لينقيه بمراهم التوبة فيخرج في حضرته أشدّ لمعاناً من الذهب المصفى بالنار، والصوف المغسول والثياب المبيّضة والمنظّفة من أدران الأوساخ لتكون صالحة لعرس ابن الملك العظيم أي عرس المؤمنين في اليوم الأخير.
العشار بحسب الفريسيين هم الخارجون عن طاعة الناموس فلا يصومون يومين في الأسبوع ولا يعشّرون أموالهم بل هم الذين يقبضون الجزية أو العشر للدولة الرومانية. ومع كل ذلك نزل العشار مبرَّراً دون الفريسي لأن الفريسي نظر إلى ذاته ولم ينظر إلى الله بل طالب الله بحقوق وواجبات، وكأنه، أي الله عليه حقوق وواجبات على صورة ما هو على البشر. نؤكد في هذا الأسبوع أننا لا نخاف الناموس ولا نطلب واجباً من الله ولكن ننتظر دائماً رحمات الله لتعلن لنا المحبة الإلهية أننا متَّكؤون على صدره كيفما كانت أحوالنا. إننا لا نصوم في هذا الأسبوع (جكارة بالفريسي) كما ُدرِجَ شعبياً أن يقال بل لنعلن أن الله هو أَلفنا وياؤُنا البداية والنهاية بالنسبة لنا.
والصوم والطقوس وغير ذلك إنما هي أمور تربويّة نحتاج إليها لتهذيب نفوسنا بكل تأكيد لنرتقي إلى مستوى المناولة ومتطلباتها. أي نتدرب كيف نخلّص الجسد من أدران الخطيئة والهموم العالمية. ليصبح حراً لأن الإنسان عندما يصل إلى مستوى روحي لا يعود يهتم لا بالطعام ولا بالمال و لا بالشراب ولا بغير ذلك مما يشابهه. بل يصبح الهم الوحيد عند الإنسان متى يستطيع أن يهرب بذاته إلى الله والحديث معه من خلال الصلاة ليصبح في الخدمة ناراً ملتهبة.
هذه الحالة الروحية أو الخبرة الروحية قد جرَّبت كثيراً في تقويم المجاهدين روحياً الذين بدلاً من أن يتواضعوا انحرفوا نحو الكبرياء وكادت التجربة أن تخرجهم من الدير لتلقيهم في العالم. يروي لنا بستان الرهبان قصص من هذا النوع : أن راهباً اشتكى لأحد الآباء الشيوخ عن التجارب المزعجة له بسبب أفكاره. ووعده بأن يفعل كل ما يأمره به. فطلب منه الشيخ الروحاني أن يذهب إلى السوق ويشتري خمراً ولحماً وفواكه ثم يجلس في قلايته ويتنعم بها ولكن طلب منه أن لا يترك الصلاة وأن يتناولها طالباً رحمات الله ففعل الراهب كذلك وفي نهاية الأسبوع أو العشرة أيام جاء الراهب إلى الشيخ وكشف له أفكاره وكيف أُنقِذَ بالطاعة الناتجة عن التواضع أو بالتواضع الناتج عن الطاعة، من وهدة جحيم الكبرياء وما يستتبعها وينتج عنها.
ولكن أيها الإخوة والأبناء الأحباء هناك تجربة ذات اليمين أيضاً وهي أن المؤمنين المجاهدين في كثير من الأحيان يعتبرون أن هذا الأسبوع للاستراحة من الجهاد الروحي والصوم ويعدون الأيام التي سيرتاحون فيها من الصوم كما يفعل طلبة المدارس عندما يسألون فور دخولهم المدرسة في مبادئ العام الدراسي عن أيام العطلة، أهي كثيرة أم ستقل هذا العام. مع أن أيام العطل هي أيام التفكر والتأمل بأيام العمل والدراسة واستدراك ما يمكن أن يكون قد أهمله الطالب وما فاته من الدروس هكذا على المؤمنين أن لا يهتموا في يومي الأربعاء والجمعة من هذا الأسبوع ليكرسوا وقتهم على ماذا سيأكلون وماذا سيشربون وكأنهم قد ارتاحوا من تعب مفروض عليهم. على المؤمنين في هذا الأسبوع الاهتمام والعناية بما يتناسب وحصن فضائلهم وجهادهم وهو التواضع وأين أصبحوا في علاقتهم مع الله ومع الناس ما هي نظرتهم لأنفسهم وللناس ولله فلا يعود لديهم الوقت الكافي للتفكير في الطعام الصيامي الذي سيعدُّونه ويهتمون به فيأكلون مما هو موجود ويكتفون غير مميزين بين طعام صيامي أو غير صيامي لاندهاش عقولهم إما حزناً على حالهم أو سعادة بارتقائهم وسموّهم وذلك حسب حاجة كل واحد. إذا فكرنا كذلك نكون قد دخلنا في المراحل الجامعية من التقدم الروحي. وهنا يصدق القول على الإنسان أن يعد حتى العشرة قبل كل خطوة يخطوها.
فلو كانت هذه حالنا وتفكيرنا لسمى مجتمعنا إلى ما هو أفضل وأرتب وأليق.
يعلمنا هذا الأحد أن نخرج عن المألوف والمعتاد لا لنتراجع إلى الوراء ونسقط بل لنتقدّم. إذ تفرض علينا المجتمعات الحديثة طرق حياة غير مسيحية فهل نستجيب ونسمع لنواميسها وشرائعها  أم نعمل عشارين بالنسبة لما يتفق عليه الناس ولا يتوافق مع كلمة الله ورضاه وفي هذا المجال يطول الشرح إذا دخلنا في التفاصيل ولكن لنعمل كما ذكرنا عشارين بالنسبة للعالم لكي نستطيع سماع صوت الله ويسمع الله صوتنا عندما يحين وقت اللقاء معه على هذه الأرض وفي الآتية.

نشرة البشارة
1 شباط 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share