الصعود الإلهي، وعيد المعادلَيْ الرسل الملَكَيْن قسطنطين وهيلانة – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Tuesday May 26, 2015 86

الصعود الإلهي، وعيد المعادلَيْ الرسل الملَكَيْن قسطنطين وهيلانة – المطران باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأحباء،
صادف يوم الخميس الماضي أن تزامن كلٌّّ من عيدي الصعود الإلهي، وعيد المعادلَيْ الرسل الملَكَيْن قسطنطين وهيلانة.
في الأول حقّق السيّد إنتصاره على الموت، والنقص الذي أذلّنا في الفردوس، وأنزلنا من هناك. أي السيد في يوم الصعود عاد بنا ظافراً على الموت، وأجلسنا عن يمين القدرة، أي عن يمين الآب وهذا تعبير، يعني أنَّه أعاد لطبيعتنا البشرية كل الكرامة. وإمكانية التمتّع بالنِّعم والمواهب التي أُعطيت لنا منذ الخلق الأول.

صعود-والملكينويتزامن مع عيد الصعود عيد المعادلَيْ الرسل قسطنطين وهيلانة. في أيامهما حدث التغيير الكبير في حياة الكنيسة. فالصليب الذي كان مرميّاً في قمامات اليهود. صار فخراً للملوك، وأفضل زينة توضع على رؤوسهم، ويزينون به صولجانهم وتيجانهم والكثير من عدة حربهم، وصارت المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية شرقاً وغرباً. وبعد أن كانت الإضطهادات تقضي على الآلاف وعشرات الآلاف من الشهداء. صارت الديانة الرسمية ويتمتع تابعوها بكل كرامات السلطة والحكم والقوَّة.
ونمت المسيحيّة نمواً عامودياً وأفقياً بحسب إشارة الصليب. نمت بالحياة الروحية والقداسة والنعمة، وبشّر المسيحيون شعوباً كثيرة في ذلك الوقت وبعده.
من العيدين، نتأكد أن المسيحيّة هي ديانة المجد، التي تَعِد أتباعها بالمجد، ولكن أيّ مجد وأيّ كرامة. المجد والكرامة التي يعطيهما الله من خلال الأخلاق والسمو الروحي، والإخلاص الإجتماعي والتضامن الإنساني، والتصرف الحضاري، أي الكرامة التي لا تُزعج الآخر إطلاقاً، وتحترمه وتجلّه، وتعطيه المركز الحميد في الإهتمام والرعاية. وهذه العوامل كانت مجالاً لجذب الكثيرين الى يسوع المسيح أيام الإضطهادت.
نعم! العالم يعطي كرامة للإنسان، ولكنها لا تدوم، وتستدعي الخصومات والحروب والسرقات، والقتل والإفتراء والمكامن الخبيثة من كل الأنواع، والكبرياء والكذب. أي الكرامة التي تأتي من الله فتلك بقدر ما يتقدم الإنسان في ترقّي درجاتها بقدر ما يصبح محبوباً أكثر.
وأهم نقطة في الكرامة التي حافظ عليها المسيحيون، كانت في تبادل الإحترام بين أبناء الأسرة، وأفراد المجتمع، وإنكبابهم جميعاً على العمل والتحصيل بطرق عصامية فتطوّروا ونموا. لأنهم كانوا أولاً يربطون كل شيء بالحياة الليتورجية والإيمانية. في كل تصرف كانوا يشعرون بأن الله واقف أمامهم. هذا هو المجد الذي ينشده المسيحيون كله في حياة الصلاح.
نجد أن الآباء النسّاك دائماً يسعون للحصول على مجد الله، وكانوا يحصلون. داود النبي بكل مجده وبطشه ونَزَقه وجبروته. كان يقف أمام الله ويقول: “أنا دود وتراب”، وكلما كان الآباء النساك والرهبان والقديسون يتقدمون بالكرامة أمام الله. كانوا يهربون من المجد الباطل كما يسمونه هم في أقوالهم وحكمهم. وكلما إزداد الناس طلباً لهم، وسعياً وراء كلمة منفعة منهم، كانوا يهربون الى البراري الداخلية، لأن نفوسهم كانت في حالة شوق دائم لله.
نعم أيها الإخوة، أنظروا الى أفكار آبائكم وأعمالهم ونهاياتهم، وانظروا الى ما صرنا إليه، نحن نفتخر بالسيارة والثياب، والحفلات والمآكل، وأشياء في كثير من الأحيان هي بِنْت لحظتها وزائلة، ولا نهتم بما هو أبقى وأثبت وأهم. كالأرض والعائلة، والعلم وتأمين المستقبل بل قد ناجزنا العالم أحواله. والرب يقول إن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في أيامهم. قالها وفي نفسه مرارة وألم. فهل نقبل منه الكرامة ونبادله بالهوان. ألا نحمل نحن اسمه ألا نفتخر بصليب ربنا يسوع المسيح، إذاً لا بد من أن نغيِّر طرق حياتنا التي اكتسبناها من العالم لكي نحصل على المجد من الذي له المجد.
في الأعراس نقول: “أيها الرب إلهنا بالمجد والكرامة كلِّلهما” مستدعين نعمة الروح القدس على العروسين. إننا نستدعيه على المعمد، وفي كل أعمالنا. لنحافظ على النعمة التي نتأهل بها لمجد يفوق كل مجد، ويخشع أمامه الولاة والسلاطين.
كم يروى لنا عن قديسين قابلوا ملوكاً وبثياب رثة، وبلا هيئة من كرامات هذا العالم فنظر إليهم على انهم أبطال منتصرون يستحقون كل اكرام، وكانوا ينالون المجد الذي هو من رضى الله، ومن رضي الله عنه جعل محبته في قلوب الناس.
كم من الملوك والأمراء والأميرات وأصحاب السلطات والنفوذ تركوا الممالك والعروش والأموال، وكل ذلك لأجل محبة الله وللسلوك معه في مجده. لأنه هكذا كان منذ البدء. خلقنا بالمجد والكرامة وعلى صورته ومثاله.
يقول داود النبي: “من هو الإنسان حتى تذكره، أو ابن الإنسان حتى تفتقده، انقصته قليلاً عن الملائكة بالمجد والكرامة كلّلته، أخضعت كل شيء تحت قدميه…”.
مما أوردنا، يتوضح لنا أن المسيحية ديانة المجد النازل من السماء بكرامات عظمى على بني البشر. ومن ارتضى غير ذلك صارت أحواله بالويل والثبور. وارتضى لنفسه الذلَّ والهوان والعبودية لأشياء هذا العالم وناسه، واستبدل الثمين بالغثّ وعبادة الخالق بعبادة المخلوق. فيكون سقوطه عظيماً.   

نشرة اليشارة
24 أيار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share