رقد في الرّب الشمّاس سبيرو جبوّر نهار الثلاثاء 27 آذار 2018، وقد أقيمت صلاة الجنّاز لراحة نفسه نهار الأربعاء في 28 آذار في دير القدّيس جاورجيوس – دير الحرف.
الشمّاس سبيرو من مواليد 1923 المزيرعة، اللاذقية. درس الحقوق في جامعة دمشق و تخرّج العام 1946. مارَس المحاماة وتعمّق بالدّراسات اللّاهوتية، الفلسفية الحقوقية، التحليل النفسي والتاريخ. رسم شماساً عام 1972.
توجّه المطران افرام كرياكوس بكلمة في تأبين الشماس جاء فيها: الشماس سبيرو جبور، آيةٌ فريدةٌ من نوعها. حَوتهُ الكنيسةُ، ولم يُحوِهِ العالم. لقد رَكِب سفينة حركة الشبيبة الأرثوذكسية باكرًا، لكنه في الوقت نفسه لم يترُك أبدًا قضية شؤون الأرض.
كان مُحاميًا مُحنكًا، مما جعلهُ في بعض الأحيان، يُحلّل ألاعيبَ السّياسيين المُعَقدة، ويتعرضُ لانتقاد الكثيرين. لا شكّ أنّه لاهوتيٌ كبيرٌ، يعرفُ الكتابَ المُقدس جيدًا، العهد الجديد بخاصةٍ. وحتى آخر سنين من حياتِه، لم يفقد أبدًا ذاكرته العجيبة.
يعرفُ ويعرضُ تاريخ العقائد باليوم والشهر والسنة والاسم، بالمكان والزّمان. وفي الوقت نفسه، كان بإمكانه أن يغوصَ في المواضيع الرّوحية والنفسية.
من أين له هذه المعرفة العلميّة، مجبولة بالمعرفة النُسكيّة. عاشر الرّهبان وخدم الرّاهبات. ارتاح بخاصةٍ إلى هذا الدير العريقِ، دير مارجرجس الحرف. وكان في علاقةٍ عميقةٍ وطويلةٍ مع المغفورِ له قُدس الأرشمندريت الياس مرقص الدائم الذكر. هو الذي حضنهُ في أشدّ الأوقات العصيبة. الشماس سبيرو جبور مُعجزة. لا يعرفُ سرَّها إلا الله وحده. عشِق كنيسة انطاكية. وتمثلَ بها وجسّد تاريخَها النقديّ، السياسيّ، العقائدي ولكن النُسكي أيضًا. كان يرتاحُ إلى صلاة الرّهبان ويُشاركُهم في ركعاتهم. هذا ما أعطاهُ تواضعًا سحيقًا. أعطاهُ فقرًا عميقًا، بساطةَ عيش رهيبة. كان يعرفُ كيف يُكلّم الصّغيرَ والكبير، الرجلَ والامرأة. كان جاهزًا دائمًا للإجابة على أسئلة الناس. موسوعة نقالة. وفي الوقت نفسه عاش غريبًا على هذه الأرض على مثالِ سيّده. لم يعرِفْ طعم الرّفاهية. لذلك لم يذُقْ طعم الفساد.
عاشَ فقيرًا، مُفتقرًا إلى المسيح أوّلًا، ولكن أيضًا إلى إطعام البشر حوله، مُعلّمًا، متواصل التعليم، واعظًا، دائم الجهازة؛ من يطلبُه يجدُه، جاهزًا للإجابة. هذه كانت قُوته. هذا كان قوتَهُ اليومي. يغتذي من الكلمة الإلهيّة ومن تغذية الآخرين بها. يعرفُ الكتاب المقدسغيبًا، بالاصحاح والآية. يعرفُ الآباءَ والقديسين. يقرأ، يُطالع ليلًا نهارًا. واصل جهادَه الفكري والروحيّ. حتّى آخر نسمةٍ من حياته كان يستخدم هذا المنظار لقراءة الكلمات، والاحرف العويصة. كان عاشقًا للرّب ولكنيسته الأرثوذكسية. هنا أتجرّأ وأقولُ وأشهدُ بأنه أحدُ القدّيسين المجانين من أجل المسيح. حفر اسمَه في سفرِ القيامة. جاهدَ حتى الدمّ. أعطى دمًا فأخذ روحًا. اغتصب الملكوت وهو على الأرض. والناسُ ينظرون إليهِ مسكينًا، مُختبئًا في سراديب الدّير صامِتًا، غريبًا بين أتراب قومه. لكن في أوان الاقترابِ اليه مُتألقًا، مُتفوّقًا في معارفه الواسعة والدّقيقة في آن معًا. كنت أشاهده في مواقع عديدةٍ إلى جانب قدس الأب الياس مرقص القديس. هذا الأخير صامتًا. مُعطيًا الدّور كلّه لسبيرو في الكلام والوعظ والتفسير. الواحدُ صامتٌ مُصلٍّ، مُتفكرٍ في قلبه. والآخر مُبشّر متفوّه جريء في كلامه ومواعظه. وهو الآن يغادرنا في الجسد. وتغادرنا معه هؤلاء الرجال العظام. تُرى ماذا سيحلُّ بنا؟ ونحن الذين بأمس الحاجة إليهم في هذه الأوقات العصيبة.
ما يُعزّي قلوبَنا أنّ الشّماس سبيرو وغيره من القامات الرّوحيّة، الذين تعرفونهم يتركون كنوزًا وافرة من كتاباتهم ومواعظهم وفكرهم وجرأتهم، وشطحاتهم الإلهيّة، والتهابهم بالكلمة الإلهيّة بمحبّة الرّب والكنيسة. هذا كله يحدو بنا أن لا نخيب في أملنا. أن تبقى شعلةُ الرب مُشتعلة في نفوسنا حتى آخر نسمةٍ من حياتنا، آمين .
فليكن ذكره مؤبّدًا. المسيح قام.