مبارك للنائبة نايلة تويني اقترانها بمَن اختارت شريكًا لحياتها. فالزواج الذي أساسه الحبّ لا يحدّه أيّ انتماء دينيّ أو طائفيّ أو عرقيّ. وهو يأتي بناءً على قرار حرّ يتّخذه صاحبه للارتباط بشخص آخر يرى فيه الشريك الحقيقيّ في السرّاء والضرّاء. الزواج، إذًا، شأن خاصّ لا يحقّ لسوى الشريكين الاتّفاق على شكل العقد ومضمونه، أكان دينيًّا أم مدنيًّا. لكنّ هذا الشأن الخاصّ دونه في الوطن اللبنانيّ معوّقات كبرى، ولا سيّما عندما يكون المقبلان على الزواج من ديانتين مختلفتين.
ما كنّا لنوجّه هذه المباركة بشأن خاصّ لو لم تكن نايلة تويني نائبة. وعمل النوّاب الأساسيّ هو التشريع، تليه الأمور الأخرى. والتشريع ينبغي أن يتمّ في الأماكن التي يوجد فيها ثغرات، إن في الدستور أو في القوانين السائدة. من هنا، نأمل من النائبة الصاعدة أن تتبنّى مشروع الزواج المدنيّ الاختياريّ في لبنان، وطرحه للنقاش في مجلس النوّاب. وهل اضطرار نائبة لبنانيّة على عقد زواجها خارج الوطن سوى دليل ساطع على وجود ثغرات قانونيّة تمسّ جوهر حقوق الإنسان؟ ثغرات بحاجة إلى مَن يسدّها بتشريعات جديدة تناسب روح هذه الحقوق الدنيا.
وبلا شكّ، تندرج هذه المسألة في إطار الحرّيّة الشخصيّة. فلا يمكننا الحديث عن الحرّية والسيادة والاستقلال على مستوى الوطن اللبنانيّ إذا كانت حرّيّة بعض اللبنانيّين ممّن لا يرغبون بعقد الزواج الدينيّ مقيّدة. ولا يمكننا التحدّث عن المساواة بين اللبنانيّين طالما البعض منهم مجبر، على العكس من قناعاته، بعقد الزواج الدينيّ. ولا يمكننا التحدّث عن الاستقلال الشخصيّ إذا كان البعض مّنا يريد التحرّر من انتمائه الطائفيّ، فيُلزم على الرغم منه بهذا الانتماء عندما يرغب بالزواج. ولا يسعنا، بعد ذلك، تصديق الشعارات الكبرى على المستوى الوطنيّ إن لم تتمّ ترجمتها على صعيد المواطن اللبنانيّ الذي له الحقوق ذاتها وعليه الواجبات عينها التي لشريكه في الوطن. فلماذا هيمنة أصحاب الخيار الدينيّ على سواهم من أصحاب الخيارات الأخرى؟ علمًا أن بعض أصحاب الخيارات غير الدينيّة هم أكثر إيمانًا ممّن يخضعون للأعراف الاجتماعيّة أو العائليّة، لا الدينيّة، إذ يعقدون زواجًا دينيًّا.
لسنا خبراء في الشأن القانونيّ، لكنّنا نلجأ، عند الحاجة، إلى الخبراء المختصّين من ذوي العلم والمعرفة في هذا المضمار. فالصديق النائب غسّان مخيبر، المستقيم الرأي هو الآخر، نشر دراسة مطوّلة عنوانها “أقلّيّة تبحث عن موقع لها حيال النظام الطائفيّ اللبنانيّ” (مجلّة المرقب، جامعة البلمند، العدد الأوّل، 1997)، أبان فيها إمكانيّة تطبيق القانون المدنيّ في لبنان، ومدى قدرة الأحكام القانونيّة على إيجاد هامش، ولو ضيّق، من التنظيم المدنيّ غير الطائفيّ. وهو نفسه يشير إلى أنّ النظام اللبنانيّ المغلق في المواضيع المتعلّقة بتنظيم الطوائف وفي موادّ الأحوال الشخصيّة، يمكن أن يتضمّن نصوصًا منسيّة تسمح بانفتاحه بعض الشيء. وهو يقصد بالنصوص المنسيّة، أو المهملة، قرارات تعود إلى عام 1936.
لسنا نطالب النوّاب الكرام بتشريع الزواج المدنيّ الاختياريّ انطلاقًا من شعارات وطنيّة، كأن يساهم هذا الزواج بازدياد اللحمة بين اللبنانيّين أو بالانصهار بين الطوائف. بل نرى إلى ذلك انطلاقًا من شرعة حقوق الإنسان التي تقول بحرّيّة المعتقد. فالطوائف اللبنانيّة السعيدة بهيمنتها على أمور الأحوال الشخصيّة تخالف هذا المبدأ حين ترفض تشريع الزواج المدنيّ لمن يشاء من اللبنانيّين. وهل من الإيمان أن يُجبر المرء على عقد دينيّ بخلاف معتقده وقناعاته الراسخة؟ فمَن شاء الزواج الدينيّ فليكن له ذلك، ومَن شاء الزواج المدنيّ فليكن له ذلك أيضًا. هكذا تكون الديانات منسجمة مع نفسها ومع قولها بحرّيّة الانتماء.
المطلوب من نايلة تويني في هذا السياق هو أكثر ممّا هو مطلوب من سواها من النوّاب، وبخاصّة أنّ الأكثر غبنًا في منع الزواج المدنيّ في لبنان هي المرأة اللبنانيّة. فأغلب قوانين الأحوال الشخصيّة ذكوريّة الطابع، وتميل إلى ترجيح كفّة الرجل على المرأة. فهل ثمّة أكبر من هذه القضيّة تحملين لواءها، وأنتِ نائبة الوطن؟ والله ولي التوفيق.
الأب جورج مسّوح
“النهار”، 2 آب 2009