أبانا الياس،
بارِك
سلام، وإن كنتُ لا أعرف كيف أخاطبك!.
أمّا بعد، فأسألك أن تسامحني إن كنتُ قصّرتُ أو استفضتُ أو بالغتُ!. أنا لا أعرف كما أنت الآن تعرف!. لذلك اقبلني كما اعتدتَ أن تقتبلني!. أنتَ تعلم أنّي أودّك!.
حاولتُ كتابتَك، اليوم، بشيء من الجهد، فوجدتُني أكتبني، والكلام يغادرني، ألتقطه ثمّ يغادرني، من جديد، فقلتُ: كفى!.
طيلة هذه الأشهر، منذ ما بعد عيد ميلادك السّابق في الجسد، في 5 أيّار الفائت، ألفيتُني على لا مسافة منك، فكتبتُ كما لم أكتب منذ أن جعلتُ قلمًا على ورق، لأخطّ بمداد ما في جعبتي!. أوّل الدّرب كان إحساسًا عميقًا مميّزًا بأن أقولك!. وآخر الدّرب، اليوم، أنّ الكلام فيك بدأ يغادرني!. في الأوّل، أخذت الكلمات تنساب كما من لا مكان. وفي الآخِر لم يعد عندي ما أقوله، في السّياق الحاصل، سوى أمرين كأنّهما خلاصة السّيرة. في مطلع الكلام قلتُ قولة سِفر التّكوين بشأن آدم: “ملعونة الأرض بسببك. بالتّعب تأكل منها كلّ أيّام حياتك… حتّى تعود إلى الأرض الّتي أُخِذْتَ منها”. وفي خاتمته: وكان الأب الياس بَرَكَةَ آدم الجديد لنا…
لا أقسى من أن يجلس المرء، يا أبتي، ليكتب وليست في ذهنه أفكار وكلمات!. هذا شيء من غباء!. ولكن، هذا بالذّات ما حصل لي وما فعلتُه على مدى هذه المقالات الثّلاث والثّلاثين!. الحِسّ في القلب كان هادِيَّ!. والكلمات والأفكار كانت تتبع!. تكرّ كرًّا، كما من الرّوح الواحد عينه!. أحيانًا بشيء من مخاض وأحيانًا أخرى من دون مخاض!. تارةً في اللّيل وتارةً في النّهار!. والكلمات، غالبًا، تترقرق بهيّةً على نحوٍ عجيب!. أهذا من خيالي؟. لا أظنّ!. لذا، كثيرًا ما اكتشفتُكَ بعدما كتبتك!.
رسختَ في نفسي، يا أبانا، إلى حين رقادك، إنسانًا حبيبًا، أبًا راعيًا، صديقًا صدوقًا، واليوم أطالعكَ جديدًا، كيانًا فريدًا!. هذا ما يجعلني مقتنعًا بأنّ ما كتبتُه كان، بالأحرى، منك، ولو عجزتُ، أحيانًا عن التّمييز بين ما هو لك وما هو لي، ما هو منّي وما هو منك!. كتبتُكَ كمَن يكتب خاصّته، نفسَه!. وليس في ذلك عجبًا لأنّ ما زرعتَه فيّ، على مدى السّنين، صار هو إيّاي!. أتيتُك فارغ الوِفاض!. لم أكن أعرف من الكنيسة شيئًا!. فقط كنتُ أخاف الله!. لذلك، تعلّمتُكَ!. أوليس أنّ ما لمسيح الرّبّ يُؤخَذ بالقدوة؟. “اقتدوا بي كما أنا أيضًا بالمسيح”، على قولة بولس الرّسول؟. بِتَّ مرجعي في الكثير ممّا اعتدتُ أن أفعله وأقوله وأقفه!. من شجرتك، بنعمة الله، نَمَوْتُ، يا أبانا!.
أنا مُدرِكٌ، يا شيخ الأحبّة، أنّي، في مواضعَ، تجرّأتُ!. قلتُ ما هو أكبر منّي!. لكنّك كثيرًا ما تركتني، في سيرتي معك، أجمح، وكنتَ تستوعبني!. صبرك عليّ ثبّتني!. لولا ذلك لَتُهتُ!. صبرك كان أرحب من ضجيجي!. اعتدتَ أن تترك النّاس يكبرون على سجيّتهم!. همّك كان أن تجعلهم يمسكون بمسيحك، ولا يُخلونه، أو، بالأحرى، أن يمسكهم مسيحُك، بك، والباقي تفاصيل!.
رِضاك، يا أبانا الياس!. أنا لا أستحقّك!. لذا، أسألك أن تسأل رِضى السّيّد عنّي وعن أهل الدّير وأنطاكية المحبوبة!. اليوم، بِتَّ إليه أدنى!.
فـــي المــسيـــح
ابـــنُـــك توما
الأرشمندريت توما بيطار
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسيّ
الأحد 29 كانون الأوّل 2019