إيمان الآباء. خلفيّة الإيمان الأرثوذكسيّ الآبائيّة ودراسة الآباء في مطلع القرن الحادي والعشرين.
الأسقف إيلاريون (ألفاييف)
سلسلةُ أوراق لاهوتيّة. تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع
«كيف نقرأ كتابات الآباء»؟ هذه هي الإشكاليّة التي يطرحها المطران هيلاريون ألفييف في هذا الكتيّب. لقد حفظ لنا الآباء التقليد المقدّس. ولكن هل حافظوا على هذا الكنز لكي يذوي، كما لو كان موهبة مدفونة في الأرض؟
بالرغم من أنّ الكثيرين لا يعرفون العقيدة الآبائيّة، إلّا أنّهم يستخدمون أقوالًا متفرّقة، لكي يبرّروا نظريّاتهم وأفكارهم، من دون أن يدرسوا اللاهوت الآبائيّ بملئه وتعدّد أشكاله. إنّه لأمر شديد الخطورة أن ننظر إلى الآباء، كما إلى دائرة كتابات مغلقة تنتمي إلى عصر غابر، كأنّ عصرنا لا يمكنه أن يُنتج باسيليوس جديدًا، أو أثناسيوس جديدًا. فالقول بعدم إمكانيّة وجود آباء بعد زمن محدّد، يعني القول بأنّ الروح القدس قد هجر الكنيسة.
لقد عاش آباء الكنيسة في أزمنة مختلفة؛ ولكتاباتهم علاقة بسياق ثقافيّ وتاريخيّ وكنسيّ ولاهوتيّ معيّن، وكانوا ينخرطون في سجال في ما بينهم أحيانًا. كيف إذاً يجب أن نفهم ما يسمّى «التوافق الآبائيّ»؟
«التوافق الآبائيّ» يفترض توافقهم على الأمور الأساسيّة، مع إمكانيّة اختلافهم على قضايا خاصّة.
يقول القديس إكليمنضس الإسكندريّ:«طريق الحقيقة واحد، ولكن فيه، كما في نهر دافق، جداول تجري في كلّ الجهات» . قد يتمّ التعبير عن الحقيقة الواحدة بطرائق مختلفة على يد آباء مختلفين، في أزمنة مختلفة، بلغات مختلفة، وفي أطر مختلفة.
من خلال استخدام المنهج السياقيّ(أي من خلال الرجوع إلى السياق الذي ظهرت فيه النصوص)، نتعلّم كيف نميّز بين الأبديّ والزمنيّ في الكتابات الآبائيّة، أي بين ما له قيمة غير مرتبطة بالزمن، ويحتفظ بأهمّيّة لا تتغيّر، عند المسيحيّين، وبين بقايا الماضي الذي ظهر وزال ضمن السياق التاريخيّ للكاتب الكنسيّ.
تزوّدنا دراسة الآباء القدّيسين، وبالأخصّ، آباء الكنيسة الشرقيّة، بإمكانيّة فهم التقليد الذي ننتمي إليه، واقتبال «الإيمان الآبائيّ»، الذي حفظه لنا كتّاب الكنيسة الشرقيّة. هذه هي الرحلة التي يدعونا إليها الكتاب: إذا كانت دعوتنا تكمن في استثمار موهبة الإرث الآبائيّ فمهمّتنا لن تقتصر، بعد الآن، على دراسة أعمال الآباء فقط، بل على أن نفكّر بطريقة آبائيّة ونحيا بموجبها أيضًا.