(يوحنا 4: 38).
أجرت اللقاء لولو صيبعة
ألبير لحّام اسم ارتبط بحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة منذ اليوم الأول لنشوئها ورافق أعمال سندسموس فكان رئيساً لهذه الرابطة العالمية. آمن بالحوار بين الكنائس وعمل في سبيل تحقيق الوحدة التامّة.
مجلّة النور التقت الأستاذ ألبير لحّام وكان لها حديث حول شؤون الكنيسة والحوار المسكوني.
ألبير لحّام من هو؟
أحد مؤَسِّسي حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وأمين عام سابق ومسؤول سابق عن العلاقات الطائفية للحركة.
- رئيس سندسموس 1964-1977 (رابطة حركات الشبيبة الأرثوذكسيّة في العالم).
- عضو مجلس ملّي بيروت 1957-1973.
- أحد مندوبي الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة للجمعيات العامّة لمجلس الكنائس العالمي.
- مستشار الوفد الأرثوذكسي الأنطاكي للاجتماعات التمهيديّة للمجمع الأرثوذكسي العظيم المقدّس، ولعدد من الحوارات الثنائية مع الكنائس المسيحية.
- عضو اللجنة الإستشارية لدائرة العلاقات مع غير المسيحيين في مجلس الكنائس العالمي.
- عضو لجنة الحوار الأرثوذكسي- الإسلامي الذي ينظّمه المركز الأرثوذكسي في جنيف مع مؤسسة آل البيت.
- عضو مجلس أمناء الندوة اللبنانية لغاية سنة 1975.
- عضو مجلس أمناء مستشفى القديس جاورجيوس ومجلس أمناء كليّة البشارة ومعهد اللاهوت وجامعة البلمند سابقاً.
- أنت ممن شاركوا في تأسيس معهد القديس يوحنا الدمشقي واليوم أنت في مجلس أمناء جامعة البلمند. ما هو دور المعهد تجاه الجامعة وتجاه خدمة الأرثوذكسيّة في هذه البقعة الأنطاكيّة؟
- المعهد أساساً لخدمة الكنيسة والجامعة لخدمة العلم، والثقافة وتنشئة المواطن الفاعل في المجتمع، منطلقة من المسلّمات الأرثوذكسيّة في نظرتـها إلى الثقافة وإلى الإنسان والتي هي نظرة منفتحة أي أنّ الإنسان المخلوق على صورة الله ليس فرداً ولكنه شخص في اتصال مع غيره ينمو بالحوار والمشاركة. من هنا تنطلق الجامعة، إذاً المنطلقات الفكريّة في الجامعة متجذّرة في المعهد الذي يجعل الفكر الأرثوذكسي يدوم حيّاً ولكن الهدف من المعهد ليس هذا فحسب ولكن هدفه خدمة الكنيسة بإعداد الرعاة وبالفكر اللاهوتي.
مشكلة المعهد متّصلة بمشكلة التجديد الروحي في الكنيسة والرعايا عن طريق إيجاد خدّام للأسرار والكلمة يكونون قادرين بنعمة الروح القدس أن يتممّوا رسالة الكنيسة في الشعب وبواسطة الشعب في عالم اليوم.
المعهد ما زال في أول الطريق لأن عدد المنتسبين إليه ضئيل جداً بالنسبة إلى حاجة الكنيسة إلى رعاة سواء أكانوا كهنة رعايا أو رهباناً متبتّلين. هو في أول الطريق لأنه ما زال يحاول أن يجد الاتصال الحيوي بين العلم اللاهوتي وممارسة الحياة الروحيّة الأرثوذكسيّة.
أعتقد أنه لا بدّ من أن نصل إلى علاقة وثيقة بين المعهد والدير كأن يمرّ كلّ طالب في المعهد بحياة الدير على الأقلّ لمدة سنة أو أن يكون أب روحي أو أكثر في المعهد فيكون لكلّ طالب أب روحي.
الهاجس هو كيف نجعل الكهنة معدّين للرسالة الأرثوذكسيّة في المدن والقرى، أيّ في الرعايا كافة؟
نواجه مشكلة العدد فالنقص فاضح في عدد الكهنة وبخاصّة أولئك المعدّين بصورة جيّدة. في دير مار جرجس الحميراء دورات لتدريب الكهنة وفي بعض الأبرشيّات دورات للشباب ولكنها ليست بالضرورة موجَّهة للكهنوت وهذا كلّه لا يكفي لمواجهة النقص في عدد الكهنة. يجب أن يكون هناك اتصال بين المعهد والحركات الروحية في الكنيسة لاسيّما الشبابية منها، بحيث تكثّف الجهود للدعوات الإكليريكيّة إذ لا أرى جهداً قائماً لتنشيط الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة، ربما هذا يتطلّب منّا أن ندرس لماذا الشباب لا يأتون إلى الكهنوت، هل المشكلة مادّية أو أن اتجاههم عالمي أو غير ذلك.
إذا كان معهد اللاهوت في خدمة الكنيسة من خلال تنشئة الكهنة فلا بدّ من أن نذكّر دائماً وأن ندخل في أذهان الناس باستمرار أن لا نـهضة في الكنيسة من دون كهنة قادرين بنعمة الربّ على القيام برسالتهم، وأن أية خدمة للكنيسة لا تقوم مقام الخدمة الكهنوتيّة وحياة التكريس في الرهبنة. فالكاهن الذي يخدم جسد الربّ ودمه كما يقول يوحنا الذهبي الفم هو أعظم من الملائكة، هو رسول المسيح في عالم اليوم.
- ما رأيك بموضوع تعليم اللغة اليونانية لغة أساسيّة في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي.
- أنا لا أستطيع أن أعطي رأياً. لستُ أستاذ لاهوت ولا كلمة لي في معهد اللاهوت. لكنّي أتصوّر أنه من الضروري أن يدرس طلاّبنا اللغة اليونانية لأنّـها وسيلة للاتصال بالعالم الأرثوذكسي، إذ إنّ هذا الاتصال كثيراً ما يقوم على إحدى اللغتَين اليونانيّة والروسيّة. مع العلم أنّ الفرنسيّة مُعتَمَدة إلى جانب هاتَيْن اللغتَين في الاجتماعات الأرثوذكسيّة العامّة، وأنّ الإنكليزيّة شائعة في اجتماعات مجلس الكنائس والحوار مع بعض الكنائس غير الأرثوذكسيّة.
أما التعليم باللغة العربيّة فأساسيّ ولا بدّ أن نصِلَ إلى اليوم الذي تكون فيه اللغة العربيّة لغة التعليم اللاهوتي في المعهد، حتى يقوم برسالته في عالمنا العربي. إلى ذلك الحين، هل يفضَّل أن تُعطى بعض الدروس اللاهوتيّة باليونانيّة أو بالإنكليزيّة؟ أتصوّر أن المسألة مفتوحة وأنّـها تتوقّف على اختيار الأساتذة. هذا إذا سلّمنا أنّ طلاّبنا يدرسون اللغة اليونانيّة على كلّ حال. فاللغة اليونانيّة تقرّبـهم إلى المراجع الآبائية، وإلى المكتبة اليونانيّة الأرثوذكسيّة الغنيّة بالمؤَلَّفات. مع العلم أنّ الترجمات إلى الإنكليزيّة متوفّرة وأنّ الكثير من الفكر الأرثوذكسيّ المعاصر يُنشَر باللغة الإنكليزيّة. وفي معهد القديس فلاديمير مثلاً، يُدَرَّس اللاهوت باللغة الإنكليزيّة.
- قانون مجالس الرعايا يصدر منذ أكثر من عشرين سنة ولم يُطَبَّق في معظم الأبرشيّات وإذا طُبِّق كان منقوصاً. ما رأيك بهذا القانون اليوم وهل تعتبر أن هناك ضرورة لتعديله أو استبداله؟
- انتخاب المجالس اصطدم في لبنان بالحزبيات السياسيّة والمحليّة أما في سوريا فالوضع لا يسمح فعلاً بانتخابات عامة في الأبرشيّات. في القانون الجديد لا يُنتَخَب المجلس الملّي من مؤمني الأبرشية بل من مجالس الرعايا، وهذا يخفّف من حدّة العمليّات الانتخابيّة وسِعَتها. وفي القانون أنّ مجالس الرعايا يجري اختيارها “بالاتفاق بين المطران والرعية”.
كيف يتمّ هذا الاتفاق؟ لم تُوضَع أنظمة لهذا الاتفاق لأن التنظيم الذي يصحّ في مكان ما قد لا يصحّ في مكان آخر. فقراءتي للنصّ القانونيّ أنه يترك لكلّ أبرشية أمر تنظيم أسلوب اختيار مجالس الرّعايا بالاتفاق مع المطران. حيث تكون الرّعايا محدودة العدد، وكان انتخاب جميع أعضاء مجلس الرّعية لا يعرّض الرّعية للانقسامات الحزبية، يمكن اعتماد الانتخاب. وإذا كان انتخاب جميع أعضاء مجلس الرّعية يعرّضها لخطر الانقسام فيمكن اتّباع طرائق أخرى لاختيار مجلس الرّعية. أتصوّر أنّه ليس من الصعب أن نتلافى الكثير من السلبيات ونوفّق من جهة بين مشاركة الرّعية في اختيار أعضاء مجلسها وبين رعاية مطران الأبرشية لوحدة الرّعية، فنبتعد في آنٍ معاً عن التعيين لكافة أعضاء مجلس الرّعية من قبل المطران وعن تطاحن الوجاهات والحزبيات في المجالس بالإمكان مثلاً أن تقرّر بعض الأبرشيات أن بعض أعضاء مجلس الرّعية تنتخبه الرعية والبعض الآخر يعينه المطران سيّما وأن القانون الجديد يحول دون تجديد ولاية الأعضاء أو تمديدها. وهناك طبعاً أنظمة أخرى يمكن اعتمادها كأن يحدّد نظام الأبرشية عدد لجان مجالس الرعايا مثلاً لجنة الاهتمام بالكنيسة، لجنة التربية الدينية، لجنة العمل الاجتماعي، لجنة المال والأوقاف، فيجري الترشيح لعضوية اللجان وليس لعضوية مجلس الرّعية فيتألّف المجلس من أعضاء اللجان المنتَخَبين. فإذا نقص عدد الأعضاء في إحدى اللجان أكمل المطران العدد. عندئذ الذي يُنتَخَب لا يكون وجيهاً بل عاملاً وخادماً للرّعية في إحدى لجانـها. فتزول من عقول الناس فكرة الزعامة عن طريق مجلس الرّعية ويصبح المجلس مجلس خدمة نستطيع من خلاله الدخول إلى انتخاب مجلس ملّي للأبرشيّة.
هناك طبعاً طرائق عديدة أخرى. المهم أن تضع كلّ أبرشيّة نظامها الخاص وتقدّمه للمجمع المقدّس للموافقة عليه. لا يمكننا الاستمرار في الوضع الحاليّ الذي يتعارض والقانون الأساسيّ للبطريركيّة الأنطاكيّة ونظام المجالس المقرر مجمعيّاً. الوضع الحالي غير مقبول لأن الرفض العلنيّ يظهر كأن هناك معارضة للمطران، في حين ليست هناك أيّة معارضة؛ والقبول بالوضع الحالي يفسَّر على أنه عدم اهتمام بأمور الكنيسة وتشجيع على الفوضى القانونيّة. أعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يكون على جدول أعمال المجمع الموسَّع، وأنا واثق أنه ستوجَد له الحلول المرنة.
- لو طُلِبَ منك أن تتقدّم بورقة عمل لهذا المجمع الموسّع، برأيك ما هي الأولويات؟
- أولاً: موضوع تنشيط الدعوات الكهنوتية والرهبانية – معهد اللاهوت ومدرستان إكليريكيتان الواحدة في لبنان والأخرى في سوريا لتنشئة كهنة الرعايا – دراسة موازنات هذه المعاهد وكيفية تأمينها ومساهمة الشعب في نفقاتـها – تأمين مراكز في الأبرشيات لخرّيجي المعاهد.
- ثانياً: موضوع مجالس الرعايا ومختلف الأنظمة الممكنة لاختيار أعضائها وكيفية جعلها أداة في خدمة الكنيسة بحيث لا تكون اجتماعاتـها إدارية بحتة، بل اجتماعات روحية أيضاً.
فإذا شجّعنا حركات الشباب والرعايا على تنمية روح الدعوة الإكليريكية والرهبانية، ونظّمنا معهد اللاهوت ومدارس الكهنة، وحقّقنا مجالس رعايا تكون مجالس خدمة وصلاة وانتَخبَتْ هذه مجلساً ملّيّاً في الأبرشية يعاون المطران في دعم العمل الرسولي في الأبرشية، عندها نكون قد وضعت الكنيسة خط جديد.
- ثالثاً: موضوع التنظيم المالي في الكنيسة، هناك نظام مالي وضع في مؤتمر 1955 ولم يطبَّق. وهناك مشاريع أخرى قُدِّمَت ودُرسَت وأُهمِلَت. مالية الأبرشيات والأوقاف ومساهمتها في صندوق عام ضرورة ملحّة للتعبير عن تسخير المال في الكنيسة لخدمة الرسالة عن تضامن الأبرشيات في هذه الرسالة.
- رابعاً: موضوع التربية الأرثوذكسيّة – أين تُعطى وكيف؟ دور العائلة الأرثوذكسيّة والمدرسة الأرثوذكسيّة والرّعية والخدم الدينية – التي أتمنّى أن تكون أكثر شفافية – والتعليم الديني وإعداد المرشدين.
أخيراً وليس آخراً في عداد الأولويات، موضوع الفقراء في الكنيسة. كثيراً ما تكون الرئاسات الكنسيّة أقرب إلى الطبقات البورجوازيّة منها إلى الفقراء، وكثيراً، ما يكون هؤلاء، على هامش الحياة الكنسيّة. كيف نجعلهم يساهمون في حياة الرّعية حتى يشعروا أنـهم في صلب الكنيسة وأنـهم أحباؤها؟ كيف تـهتمّ الكنيسة بحاجاتـهم الضروريّة باعتبارها شركة حياة وتضامناً حياتياً ليس فقط شركة صلاة؟
السؤال: هو كيف يمكن أن يهتمّ المجمع الموسّع بـهذه المواضيع جميعها؟ الجواب هو أنّ تكون هناك لجنة لدراسة كلّ موضوع من هذه المواضيع وتقدّم تقريرها إلى لجنة مركزية تابعة للمجمع المقدّس. ليس من الضروري أن ينجز المجمع الموسّع أعماله في دورة واحدة بل يمكن أن تخصّص دورة لكلّ من المواضيع أو كلّها معاً. وليس كثيراً إذا أنجز المجمع الموسّع المواضيع كافّة في ثلاث أو أربع سنوات.
- ماذا تقصد بضرورة الشفافيّة في القدّاس الإلهي. هل هناك ضرورة لتعديل اللغة أو صياغتها من جديد؟
- أساساً الخدمة الإلهية هي خدمة الشعب وعمل الشعب. هذا هو المعنى الأصليّ لكلمة “ليتورجيا”. فكيف تكون كذلك إذا كان الشعب لا يشترك في صلواتـها أي إذا بقي جوهر قدّاس المؤمنين (الشكر والذِكر واستدعاء الروح القدس والصلوات الابتهاليّة التي تتبعه) مخفيّاً عن الشعب.
هذه مسألة لا بدّ للمجمع المقدّس أو لمجامع الأرثوذكسيّة أن تواجهها حتى تدخل الجماعة في فهم الذبيحة الإلهية والاستنارة بـها. كذلك أتمنّى أن تُعاد التطويبات ومقاطع المزامير إلى الموعوظين. فإعادة الخدمة الإلهيّة إلى أصوليتها أمر مهمّ لتركيز حياة الرّعية في تيار تقليد القداسة وللتربية الدينية من خلال الطقوس. قد يرى البعض أن هذه الأمور من شأنـها إطالة وقت الخدمة الإلهيّة. الجواب أنه لا يجوز للمؤمن أن يقف في حضرة الله وهو تحت ضغط الوقت بل هو يفتدي الوقت إذ يدخل، من خلال الليتورجيا، في خبرة الملكوت.
أما لغة الخدمة الإلهيّة، فليست صعبة إجمالاً. وقد تكون الصعوبة في بعض الصلوات اليومية والخدم حيث توجد تعابير لم تعد مفهومة للمسيحي العربي اليوم. هذه يمكن النظر فيها وتبسيطها.
- أنت من الرعيل الأول ومن مؤسّسي حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. ما هي نظرتك إلى الحركة اليوم؟ هل تعتبر أنها ما زالت تسير على الطريق الذي رُسِمَ لها؟
- الحقيقة لا أعرف الوضع اليوم معرفة تامّة لكنّي أسمع أن هناك عودة إلى الأصالة الحركية من خلال عودة الحركيين إلى ينابيع الإيمان أيّ أن الحركيين ينغمسون أكثر في معرفة الكتاب المقدّس وفي حياة الصلاة وفي الحياة الأسرارية وفي التقديس الشخصي وفي الخدمة. هذا هو الاتجاه الأساسيّ للحركة ومنه تتفرّع طرق الخدمة الرسوليّة أو التبشيريّة أو التربويّة أو الإجتماعيّة. أسمع أحياناً أن البعض يقول إن الحركة فئوية لماذا؟ إذا كانت الحركة تخدم الكنيسة فلماذا هي فئوية؟ هي مثل غيرها من الهيئات التي تخدم الكنيسة وتعمل على تربية الشباب حتى يعوا معنى معموديتهم ويمارسوها في الحياة. ليس لها تعليم خاص سوى تعليم الكنيسة الذي يشرف الرّعاة على استقامته. وليست اجتماعاتـها سرّية بل مفتوحة لمن يريد المشاركة فيها وحياة الشركة والمحبة التي تجمع الأعضاء لا تفصلهم عن الآخرين بل تقرّبـهم إلى الجميع بمقدار ما تقرّبـهم إلى الله ينبوع الشركة والمحبة.
صحيح أن الحركة تنمّي عند أعضائها التوق إلى أن تكون الكنيسة – أي جماعة المؤمنين المرتبطة بالأساقفة – “لا عيب فيها ولا دنس ولا غضن ولا شيء حتى مثل ذلك” كما يقول الرسول بولس، لكنّي أرجو – والتربية الحركيّة تُشدّد على ذلك – ألا تؤيّد الحركة الحركيّ لمجرّد كونه حركيّاً وألاّ تقاوم الشخص الذي يخدم الكنيسة المقدّسة بأمانة وورع إذا لم يكن من أعضائها. الحركة مثل كلّ جماعة كنسيّة بحاجة إلى أن تحترز لنفسها وأن تصلح نفسها وهي كمثل غيرها، خاضعة لرقابة الأساقفة إذا ابتعدت عن هذا الخط القويم. والعصمة في الكنيسة الأرثوذكسيّة لله وحده وللكنيسة الجامعة والمحبة هي التي تضمن ممارسة الحريّة المسيحيّة بلياقة وترتيب.
وأسمع أنه يُقال لماذا لا تكون فرق الحركة تابعة لكهنة الرّعايا؟ والجواب هو أن الكثير من الفرق الحركية لا يأتي أعضاؤها من رعية واحدة. لكن الفرق جميعاً تابعة لمطران الأبرشية وهي في خدمته وخدمة الرّعايا متى أرادوا ذلك.
أرى أنه يجب أن يسعى الحركيون إلى تحسين الاتصال بكهنة الرّعايا ومطران الأبرشية وأرجو أن يعمل كهنة الرّعايا على أساس أنّ الحركة أيضاً تحت تصرّفهم لخدمة الرّعية. لكنّ الكنيسة شركة واحدة في تعدّد الأساليب والمواهب والخدم. نعلم أنّه عندما أراد الرسل الأطهار أن يمنع الربّ يسوع غيرهم من طرد الشياطين وشفاء الأمراض باسمه لأنـهم لم يكونوا من عداد الرسل، رفض الرب ذلك قائلاً، “من ليس ضدّنا فهو معنا”. حبّذا لو أخذ الجميع – بما فيهم الحركيون – من الآيات شعاراً لهم.
أرجو ألاّ تعطي الحركة انطباعاً بأنّـها فوق أحد أو ضدّ أحد بل إنـها حركة إنجيليّة خادمة. في الختام، أذكر ما قاله لي أحد القسوس البروتستانت منذ ثلاثين سنة “لو كانت الحركة موجودة منذ مائة سنة لما كان من حاجة للبروتستنتية في بلادنا”.
- هل برأيك تركيبة المجمع الموسّع يجب أن تكون على ما كانت عليه منذ ثلاث سنوات وهي قد خلقت بلبلة في الكنيسة الأرثوذكسيّة كون التمثيل لم يكن للشعب الأرثوذكسيّ بقدر ما كان تمثيلاً للمقرّبين من المطارنة وأصحاب النفوذ بينما الشعب الأرثوذكسيّ لم يكن حاضراً.
- لا بدّ من المجمع الموسّع حتى نصل إلى التنظيم. المجمع الموسّع الأخير كان مجرّد فرصة للكلام في مختلف الميادين. وبقينا في نطاق البحث العام. لم تتألّف لجان ولم يكن هناك بيانات وقرارات في مواضيع معيّنة. إذا أردنا أن يكون عندنا مجمع موسّع فاعل علينا أن نضع المواضيع، ونؤلّف اللجان التمهيديّة لكلّ موضوع وفي الاجتماع العام تُسمع كلمات في البحث العام ثم ندخل في خصوصيات المواضيع وتقارير اللجان بشأنـها. كلّ لجنة تأتي بتقرير ويناقش وتُؤخذ المقررات وترفع إلى المجمع المقدّس، إذا فعلنا هكذا يكون المجمع الموسّع فاعلاً ومعبّراً عن فكر الشعب الأرثوذكسيّ بصرف النظر عن كيفيّة التمثيل. لو كان المجمع منتخباً ونتيجته غير فاعلة يكون مضيعة للوقت.
في قانون الكنيسة الأنطاكيّة ليس هناك مجمع موسّع بل مؤتمر عام. المجمع الموسّع يهدف في نظري إلى تركيز النظام المنبثق عن القانون الأساسي حتى نصل إلى تأليف مجالس الرعايا ومجالس ملّية ومن ثم إلى المؤتمر العام. لذلك أكرّر أن الإعداد للمجمع الموسّع عن طريق تأليف لجان مختصّة تدرس المواضيع ولجنة مركزية تستلم التقارير وتنسّقها، ضرورة لنجاح المجمع الموسَّع. وإذا كان هذا يؤدّي إلى التأجيل أو إلى تعدّد دورات المجمع الموسّع فليكن كذلك لأن الإعداد للإجتماعات أهم من انعقادها شرط أن نفتدي الوقت ولا ندعه يمرّ من دون عمل.
- أنت ممن واكبوا الحركة المسكونيّة منذ نشأتـها ومثّلت الكنيسة الأنطاكيّة في أكثر من لقاء. ما هي نظرتك إلى الوحدة المسيحية؟ هل تعتبر أن الحوار المسكوني حقّق الغاية المرجوّة منه وهل وصل إلى نتيجة؟
- الحوار المسكوني لا بدّ منه لأنّ المسيحي المؤمن والأرثوذكسي بخاصة يتألّم من الجرح الذي أحدثته الانقسامات في الكنائس. لهذا لا بدّ أن يسعى المؤمن إلى إزالة هذا الانقسام. والكنيسة الأرثوذكسيّة كان هذا دائماً هاجسها وقد أخذت مبادرات عديدة في هذا المجال لاسيّما في سبيل توحيد الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقية والكنيستَين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة. وعندما نشأت حركة الإصلاح البروتستنتيّة كان هناك حوار معها وتبيّن أن هناك خلافاً في أمور كثيرة عدنا نبحثه الآن بروح المحبة والحوار البنّاء.
في أوائل القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى أخذت البطريركيّة المسكونيّة المبادرة بأن دعت الكنائس المسيحيّة إلى إيجاد نوع من مجلس كنائس تمثّل فيه كلّ الكنائس على غرار جمعية الأمم في ذلك الحين حتى تكون هناك شهادة واحدة للكنائس المسيحيّة في المواضيع التي تـهمّ العالم المعاصر. الكنيسة الأرثوذكسيّة كانت دائماً ترى أن إزالة الشقاق واجب عليها.
طبعاً أسس الوحدة في ما يتعلّق بالكنيسة الأرثوذكسيّة هي الرجوع إلى الإيمان الذي تسلّمناه من القديسين والذي يحافظ عليه من جيل إلى جيل الشعب المؤمن المستنير بالكلمة الإلهية والأسرار المقدّسة التي يقيمها رعاة رسوليون.
لسوء الحظ، ليست هذه نظرة كلّ الكنائس للوحدة. معظم الكنائس الإنجيليّة تعتقد أن الخلاف في الأمور الإيمانية والعقائدية لا يمسّ وحدة الكنيسة وأن هذه الوحدة موجودة بالإيمان بيسوع المسيح ربّاً ومخلّصاً، وبالثالوث الأقدس وأن هذه تكفي للشركة في الإفخارستيا الواحدة، وإن الأهمّ هو أن تعمل الكنائس اليوم معاً في حقل الخدمة الإنسانية والشهادة الواحدة في المواضيع الحياتيّة والاجتماعيّة.
بالطبع، ليس هذا هو موقف الكنيسة الأرثوذكسيّة. لأن الإيمان واحد لا يتجزّأ ولا بدّ أن تكون أميناً للوديعة كاملة. فالخلاف حول مفهوم الكنيسة والكهنوت والأسرار هو خلاف حول الإيمان الرسولي ولا شركة في الأسرار ما دام موجوداً. لا بل إن هذا الخلاف له نتائجه على المواقف من القضايا الاجتماعية.
الهدف من اشتراك الكنيسة الأرثوذكسيّة في مجلس الكنائس هو التأكيد على الحوار اللاهوتي بغية الدخول إلى وحدة الإيمان، ليس فقط على أساس ما قد نتّفق عليه اليوم، بل على أساس أن يكون اتفاقنا أميناً لإيمان الأجيال السابقة أيضاً يعني على أساس التقليد الشريف.
هذا الحوار اللاهوتي يحصل داخل مجلس الكنائس ضمن لجنة الإيمان والنظام التي يشترك فيها أيضاً الكاثوليك ويمثّلنا فيها المطران جورج خضر.
إلى جانب ذلك تتابع الكنائس الأرثوذكسيّة الحوار في الأمور العملية كالتعاون في حقول الخدمة والشهادة والتربية. طبعاً هناك خلافات في قضايا كثيرة كالعائلة والعلاقات الجنسية والموت الرحيم ولكن لا أحد يفرض رأيه على الآخرين. نشهد لإيماننا ولنظرتنا الخاصة إلى هذه الأمور ونتقدّم فقط في ما هو مشترك بيننا.
أما النتائج، ففي لجنة الإيمان والوحدة أدّى الحوار إلى بعض التقدّم إذ صار بحث جدّي في الخلاف الموجود بين الكنائس حول سرّ المعموديّة وسرّ الشكر والخدمة الرسوليّة (الكهنوت) لتحديد ما هي بالضبط نقاط الخلاف من وراء التعابير والمفاهيم الفكرية التي تستعملها الكنائس للتعبير عن إيمانـها وما هي درجة الإتفاق بينها. أصبح هناك تقارب في تحديد الخلافات حتى ننطلق إلى أبعد من ذلك.
ميزانية لجنة الإيمان والنظام محدودة جداً بالنسبة إلى ميزانيات القطاعات الأخرى لنشاط المجلس. فالكنائس البروتستانتية، وهي المموّل الأول للمجلس، تعطي المال للمساعدات الخيرية والاجتماعية والنشاط التربوي والتبشيري أكثر مما تعطي لهذه اللجنة. وضعف الميزانية المخصّصة لها لا يمكّنها من الانطلاق الكامل في حقل العمل الذي من شأنه توحيد الكنائس إيمانيّاً.
ثم إن العمل المسكوني الأرثوذكسيّ لا ينحصر في مجلس الكنائس. عندنا ما نسمّيه الحوار الثنائي بين الأرثوذكس وكلّ عائلة من العائلات الكنسيّة: مع الكنائس الشرقية القديمة (السريان والأقباط والأرمن والأحباش والهنود) ومع الكاثوليك واللوثريين والأنغليكان والمصلحين ومع الكاثوليك القدماء.
الحوار متقدّم بنسب مختلفة. فمع إخواننا الشرقيين توصلت لجنة الحوار إلى أن لنا إيماناً واحداً، والبحث جارٍ الآن في كيفية التعبير عن هذا الإيمان الواحد في وحدة كنسيّة بعد حلّ القضايا المعلّقة التي تتّسم بطابع قانوني ورعائي مثل عدد المجامع المسكونيّة والقدّيسين المعلنين بعد الانشقاق وإزالة الحواجز النفسيّة عند الشعب.
مع الأنغليكان تفاقمت المشكلة بعد أن قرّرت الكنيسة الأنغليكانيّة، رسامة نساء في الكهنوت. وعدد من الأنغليكان الذين كانوا يشكون الانفلات الليبرالي في كنيستهم تركوا الكنيسة الأنغليكانيّة بعد ذلك وصاروا أرثوذكس أو كاثوليك. وفي انكلترا اليوم عشر رعايا وعميد للأرثوذكسيين الأنطاكيين تابعين للمعتمديّة البطريركية في أوروبا الغربية.
مع اللوثريين تقدّم البحث في موضوع الكتاب المقدّس والتقليد الشريف وسلطة المجامع المسكونيّة في الكنيسة. وحصل اتفاق في هذه المواضيع وقبلوا بالمقررات العقائدية للمجامع المسكونيّة السبعة ولكن عندهم تحفّظات على القوانين التي أقرّتـها هذه المجامع إذ يعتبرونـها غير ملزمة لهم اليوم. والمشكلة هي في أن من يجتمع معنا من اللوثريين تنتدبـهم الرابطة اللوثرية العالمية التي لا سلطة لها لتمثيل الكنائس اللوثرية في العالم. فللوثريين، بخلاف الأرثوذكس، تيارات مختلفة في الأمور الإيمانيّة، ومندوبوهم يمثّلون فقط التيارات التي ينتمون إليها. وعندما يوقَّع اتفاق ما فهذا لا يعني أن جميع اللوثريين في العالم قبلوا بـهذا الاتفاق.
أما الحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة، فقد اصطدم بموضوع ما يُسمَّى بالـUniatisme أي محاولة الكنيسة الكاثوليكيّة شقّ الكنائس الأرثوذكسيّة بغية إيجاد كنائس شرقيّة كاثوليكيّة تكون خطوة نحو ضمّ الكنيسة الأرثوذكسيّة إلى الكنيسة الرومانية. والمعلوم أن هذه المشكلة أصبحت محور الحوار حالياً بين الكنيستَين وقد أقرّت لجنة الحوار المشتركة التي اجتمعت في دير سيدة البلمند أن هذا الأسلوب ليس أسلوباً مقبولاً لبلوغ الوحدة بين ما سمّاه الاجتماع “كنيستَين شقيقتَين”. إلاّ أنّ الممارسات الكاثوليكيّة ما زالت بعيدة عن بيان البلمند.
إلى جانب ذلك كلّه يبقى الحوار المسكوني والتعاون المسكوني سبيلاً لمواجهة مشاكل العصر. المشاكل المطروحة على الضمير المسيحي اليوم ليست تلك التي كانت مطروحة منذ 1500 سنة. وإن الكنائس، إذ تعمل على حلّ خلافاتـها الإيمانيّة والعقائديّة، تحاول أن تواجه معاً، قدر الإمكان، المشاكل المطروحة على ضمير الإنسان المعاصر كقضية السلام والعدالة والمحافظة على البيئة وصيانتها.
ثم إن كنائسنا تواجه غزوة فكرية غربية. ففي العالم الغربي اليوم ردّة وثنية بكل معنى الكلمة تتمثّل بالفردية والانفلاش الذي هدفه اللذّة والسعادة الفردية وتفتّح الذات وكأنـها أهداف بحدّ ذاتـها. طبعاً هناك شيء جميل في العالم الغربي وهو هذا التيار الإنساني الذي، على وثنيته وفرديته وانفلاشه، يهتمّ جديّاً بكرامة الإنسان وبضرورة التضامن في خدمة كلّ الفئات الهامشية في المجتمع، سواء أكانت هذه الهامشية ناتجة عن أسباب فيزيولوجية كالمعوقين أو أسباب إجتماعية كالطبقات المحرومة أو المهمّشة كالمهجّرين.
هذا ممتاز ولا شكّ. لكن بمقدار ما هي النظرة الأساسيّة نظرة فردية تؤمن بأن الإنسان وسعادته هما القيمة الأخيرة، فالحلول المقترحة تصطدم أحياناً مع الإيمان المسيحي الذي يعتبر أن الحياة هبة مقدّسة من الخالق وأن الإنسان مخلوق لكي يعيش في شركة على صورة الثالوث الأقدس وأن الصليب هو الطريق إلى الحياة والفرح.
- كيف تواجه المسيحيّة هذه التيارات؟
- يواجهها المسيحيون معاً حيث أمكن. وهناك مجال كبير حتى يقدّم المسيحيون شهادة لإيمانـهم رغم صعوبة بعض الأوضاع حيث تتشابك القضايا المطروحة مع نظريات سياسية. هناك مثلاً التداخل بين مفاهيم الفردية والديمقراطية والاقتصاد الحرّ في الغرب ممّا يؤدّي إلى كوارث في البلاد النامية وفي الغرب بالذات. فالحرّية الاقتصاديّة المطلقة التي أطلقتها تاتشر والتركيز على النمو الاقتصادي المحض من دون الالتفات إلى نتائجه الإجتماعيّة، أدّت إلى الملايين من العاطلين عن العمل. هذا التداخل يؤدّي إلى مواقف مختلفة، عند المسيحيين أنفسهم. وتسعى الحركة المسكونيّة ومجلس الكنائس بصورة خاصة في تبيان المواقف مسيحية مشتركة وتوضيح معالمها، وإن كان نجاحها في ذلك محصوراً إلى الآن.
- برأيك إن التأثير السياسي على مجلس الكنائس العالمي ألا يكون، غالباً، حائلاً دون الوصول إلى الغاية المرجوّة؟
- التأثير السياسي ليس مباشراً بل هو من خلال الكنائس الأعضاء وتلك التي تموّله بصورة خاصة. نحن نذهب من هنا حاملين هواجس شعبنا ونظرتنا للأمور من منظارنا كشرقيين وشرق أوسطيين ويأتي الأميركيون برؤية خاصة تختلف عن رؤيتنا. وكذلك الأوروبيون والأفارقة والآسيويون. ننطلق من هذا الواقع ومن نظراتنا الإيمانية المختلفة، ونسعى للوصول إلى قواسم مشتركة في مواجهة القضايا من خلال الحوار. ومع الوقت يصير نوع من تصويب للاتجاهات المتطرفة للكنائس الغربية، بفعل وجود الكنائس الآتية من أوروبا الشرقية، وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى جانب كنائسنا. مثلاً لو أخذنا موقف مجلس الكنائس العالمي من القضية الفلسطينية لوجدنا أن هذه القضية، لم تكن مطروحة هكذا على جدول أعمال المجلس قبل مشاركة كنائسنا في المجلس بل كان مجلس الكنائس يطرح قضية اليهود كشعب مضطهد له حقّ في أن يعود إلى بلاده وكان البعض يؤسّس هذا الحق على تفسيره للعهد القديم. مع الوقت، وبوجود الكنائس الأرثوذكسيّة وكنائس الشرق الأوسط والعالم الثالث، صارت القضية الفلسطينية مرتبطة بالعدالة وبحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي صلب إهتمامات المجلس ومقرّراته.
- بالانتقال إلى الوضع الأرثوذكسيّ في العالم، لقد شاركت في اجتماعات تحضيرية للمجمع الأرثوذكسيّ المسكوني.
برأيك لماذا لم ينعقد هذا المجمع وما هي الصعوبات التي تواجهه حالياً؟ وما هي المواضيع التي تُطرح ويُؤخذ بشأنـها موقف موحد؟ كيف ترى تنظيم الشتات؟
- الإعداد للمجمع أدخل في الكنيسة الأرثوذكسيّة جدّياً، الهاجس المجمعي أي جعل الكنائس المستقلّة تعرف أن استقلالها نسبيّ وأنّ المشاكل المطروحة على الضمير الأرثوذكسيّ هي واحدة، ومطروحة على ضمير الأرثوذكس جميعاً وليس على كنيسة واحدة وأنّ أيّة كنيسة أرثوذكسيّة لا تستطيع أن تواجهها وتحلّها إلا مجتمعة مع باقي الكنائس الأرثوذكسيّة وبروح مجمعيّة. هذه الروح المجمعيّة الجامعة في المعالجة للأمور هي الفائدة الأولى لهذا الاتجاه نحو المجمع الأرثوذكسيّ العام. في أول اجتماع تحدّد عدد كبير من المواضيع التي هي بحاجة للدرس وقد اختير منها عشرة ودُرس منها ستة وبُتّ فيها بمقررات مشتركة لأن المقررات تؤخذ بالإجماع وليس بالأكثرية.
أمانة السرّ تضع بياناً لكل موضوع يبيّن وجهات النظر المتقاربة والمتباعدة التي عبّرت عنها مساهمات الكنائس وتدعو إلى اجتماع تمهيديّ وبعده إلى لجنة إعدادية تتّفق على النص الأخير لمشروع القرارات التي ترفع إلى المجمع العام عند انعقاده ليبتّ فيها. الأمور التي لا تزال مطروحة هي:
- الشتات أو الوجود الأرثوذكسيّ خارج الحدود التقليدية للكنائس الأرثوذكسيّة.
- كيف يُعلن استقلال إحدى الكنائس عن الكنيسة الأم وما هي شروط هذا الإعلان؟
- الإدارة الذاتية أو الاستقلال النسبي لبعض الكنائس (autonomie) مشروطة.
- ترتيب درجات الأوليّة بين الكنائس المستقلّة.
موضوع الشتات درس في الاجتماعات التمهيديّة وصار الإتفاق على أن الحلّ يكون على مرحلتين، الأولى انتقالية تقوم خلالها في كلّ منطقة جمعيات أساقفة مؤلفة من جميع الأساقفة الأرثوذكس القانونيين التابعين لمختلف الكنائس الأم، يعملون فيها معاً على صعيد الرّعاية والتربية، والخدمة الاجتماعية والشهادة، مع بقائهم تابعين لكنائسهم الأم وتنتهي هذه المرحلة الانتقالية عندما يجتمع المجمع العام حيث يطبّق على “الشتات” النظام الأرثوذكسي الذي يفرض ألاّ يكون في كل مدينة أكثر من مطران واحد، سواء أكان الشعب من أصل روسي أو يوناني أو عربي أو غير ذلك.
سوف يُرسل هذا الاتفاق إلى الجنة الإعداديّة فإذا أقرّته تُنفَّذ المرحلة الانتقالية فوراً وتبقى مستمرّة إلى أن ينعقد المجمع العام.
ما يؤخّر ذلك هو أن لا بدّ من الانتهاء من بحث المواضيع الثلاثة الأخرى في الاجتماعات التمهيديّة قبل عرضها على اللجنة الإعداديّة.
بالنسبة إلى موضوع إعلان استقلال كنائس جديدة توصّلت الاجتماعات التمهيديّة إلى تحديد شروط هذا الاستقلال وكيف يحصل ويعلن وبقي موضوع مَن يوقّع صكّ الاستقلال معلّقاً وتأجّلت الجلسة. وطبعاً يبقى على الإجتماعات التمهيديّة أن تدرس الموضوعين الأخيرين المتبقيين.
أما التأخير في الإعداد “للمجمع العظيم المقدّس” كما يسمّى هذا المجمع الأرثوذكسيّ العام، وفي انعقاده، فله أسباب عديدة. فقد تُقدِّم الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة مساهمتها في أحد المواضيع فيتبيّن لأمانة إعداد المجمع تباين واضع في الآراء. عندئذ تسعى الأمانة، قدر الإمكان، إلى تقريب وجهات النظر قبل الدعوة إلى الاجتماع لأن المطلوب أن تؤخذ القرارات بالإجماع، لا بالأكثرية كما قلت.
وهناك أيضاً ظروف سياسية أخّرت أحياناً هذه الاجتماعات مثل أوضاع الكنائس في أوروبا الشرقية وحصول حروب في بعض المناطق.
ثم إنّ هناك وضعاً آخر له تأثيره على سير الأعمال الإعداديّة للمجمع العام. فالشعب الأرثوذكسيّ إجمالاً شعب محافظ متمسّك بوضع كنيسته الحاضر الذي يسمّيه أحياناً، خطأ، “التقليد” وإن كان ليس من التقليد الشريف ولا يتّصل بالإيمان، فكلّ تغيير تريد إجراءه تصطدم فيه مع فئة محافظة في الشعب فتنتهي الاجتماعات إلى الإبقاء على الوضع الراهن أو تأجيل تنفيذ القرارات المتّخذة بشأنه وهذا ما حصل مثلاً في موضوع تعييد الفصح المقدّس.
وأعطي مثلاً آخر. فالاجتماعات التمهيديّة واللجنة الإعداديّة درست موضوع الصوم. ومن المعروف أن الشعب الأرثوذكسيّ فخور بأن كنيسته تحافظ على الصوم وإن كان الكثير من الشعب لا يصوم اليوم. كنت أتمنى أن تعطي القرارات المتخذة معنى جديداً للصوم في عالمنا حتى يتفهّم الشعب مرتكزاته ولكن القرارات أبقت كلّ شيء على حاله تاركة للمطران إعطاء بعض التوجيهات. لم يريدوا أن يقال أن الكنيسة الأرثوذكسيّة تساوم على هذا التقليد الروحاني الأصيل، لكنهم لم يفسروه للإنسان المعاصر.
في نـهاة أحد الاجتماعات التي ترأسها المغفور له المتروبوليت ميليتون من البطريركيّة المسكونيّة قال إنه يجب أن نواجه شعبنا الذي لا يتبعنا ولا مجال للتقدّم إلا إذا تقدّمنا في تربية شعبنا حتى يقدر أن يفهم ما نعمله.
- هناك من يدعو إلى هيكليّة معيّنة في الكنيسة الأرثوذكسيّة بشكل تكون هناك مرجعية للكنائس باعتبار أن هذا يساهم في الوحدة الأرثوذكسيّة في العالم فما هو رأيك؟
- أساساً تطوّر الكنيسة الأرثوذكسيّة من حيث التنظيم انتقل من الرئاسات الخمس (Pentarchie) أي نظام البطريركيات الخمس وأولها رومية ثم القسطنطينيّة والإسكندريّة وأنطاكية والقدس إلى ما يسمى اليوم نظام الكنائس المستقلة Autocéphalie. كان نظام الرئاسات الخمس نوعاً من التعبير عن الشركة بين الكنائس في العالم فالمطران يشترك مع بقية مطارنة البطريركيّة من خلال المجمع المقدّس الذي يترأسه البطريرك وشركة البطريرك مع البطاركة تعبّر عن شركة الأساقفة في العالم ووحدة الأسقفية الرسولية. كذا كان نظام الرئاسات الخمس تعبيراً عن نوع من المرجعية في الكنيسة الجامعة. فإذا اختلفوا دعيت المجامع العامّة لإيجاد الحل.
ثم إن المجمعية تفترض الأوليّة، أوليّة البطريرك في المجمع المقدّس المحلّي، وأوليّة أوّل الأساقفة مسكونيّاً. وأوّل الأساقفة، في نظر الأرثوذكسيّة هو أسقف رومية لكن أوليّته كانت أوليّة في خدمة الشركة ولم تكن سلطة على الكنائس. هي أوليّة في الدعوة إلى الحوار وجمع الرأي. وبعد الانشقاق انتقلت الأوليّة إلى الأرثوذكسيّة إلى كنيسة القسطنطينية، وبقي النظام الأرثوذكسيّ قائماً على شركة البطاركة الأربعة الرسوليين الذين كثيراً ما كانوا يجتمعون معاً لبحث الأمور الطارئة.
تطوّر النظام الأرثوذكسي مع الظروف التي أدّت إلى نشوء كنائس جديدة مستقلّة نتيجة نشوء دول مستقلّة لأمم أرثوذكسيّة. وظهر استقلال الكنائس الجديدة عن كنيستها الأم وكأنه يعطي الكنيسة الجديدة إرتباطاً بالدولة أو الأمة التي تنتمي إليها أقوى من ارتباطها بالكنائس الأرثوذكسيّة الأخرى. وكاد نظام الكنائس المستقلّة، أن يقوّي عزلتها على حساب الشركة. لا شكّ أن للنظام الأرثوذكسي حسناته إذ يقوّي وقع المسؤولية في كلّ كنيسة تجاه اهتمامات شعبها لكن نشوء القوميّات في القرنين الأخيرين أضعف فعاليته كأداة للشركة في الكنيسة الجامعة.
صحيح أيضاً أن البطريرك في القدّاس الإلهي يذكر البطاركة الآخرين. وإن الشركة قائمة في الإيمان والأسرار بين جميع الكنائس وإن البطريرك عندما يُنتَخَب يكتب الرسائل السلامية إلى جميع البطاركة ورؤساء الكنائس المستقلّة فيقبلوه في شركتهم، ثم يتبادل الزيارات معه، لكن تبقى كلّ كنيسة مستقلّة مهتمّة أساساً بشؤونـها الداخلية الذاتية، في حين أن تطوّر العصر لم يعد يمكّن أية كنيسة من القيام بمفردها بالعمل الرسولي في العالم. لذلك نما الشعور بأنه يجب أن يكون اشتراك بين الكنائس الأرثوذكسيّة في مواجهة الأمور المطروحة على ضمير جميع الكنائس على السواء. أي أنّ هناك حاجة في الكنائس الأرثوذكسيّة إلى الخروج من العزلة التي فرضها التطور الحاصل في القرنين الأخيرين وإلى الانتقال إلى تفعيل الروح المجمعيّة في الكنيسة الجامعة. وهذا ما شاهدناه في ممارسة الكنائس الأرثوذكسيّة للحوارات الثنائية، والإعداد للمجمع العام حيث تجتمع الكنائس الأرثوذكسيّة معاً بدعوة من البطريرك المسكوني وبرئاسة من يمثّله وتتّخذ المقررات بالإجماع. لكنّ الحاجة إلى تثبيت هذا النظام بحيث تصبح اجتماعات الكنائس دوريّة منتظمة، وجهازاً للشهادة والعمل الأرثوذكسيين في العالم. أعتقد أن البطريرك المسكوني الحالي واعٍ لمسؤوليته في هذا المضمار، وقد دعا في السنوات الأخيرة إلى اجتماعين عامين للبطاركة ورؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة صدرت بنتيجة كلّ منهما بيانات مشتركة. وهكذا تتضح تدريجاً معالم نظام أرثوذكسي عالمي مجمعي وأوليّة تخدم وحدة الكنائس ضمن هذا النظام. المهمّ في المرحلة الحالية ألاّ تمارس البطريركية المسكونية أوليّتها بشكل تبدو معه وكأنّـها تمارس سلطة على الكنائس الأخرى. فالاستئثار بالسلطة أدّى في الماضي ويؤدّي إلى عودة الخلافات.
أتصوّر أن هذا النظام الأرثوذكسيّ ودور البطريركيّة المسكونيّة فيه سيتبلوَران بعد حلّ القضايا المعلّقة التي أحدثت تشويشاً في علاقات الكنائس المستقلّة أعني قضايا نشوء كنائس جديدة مستقلّة أو ذات الإدارة الذاتيّة، والشتات، والتراتبيّة بين الكنائس، وهذه المواضيع هي بالضبط تلك المطروحة الآن على اللجان الإعداديّة للمجمع الأرثوذكسيّ العام ليجد لها الحلول.
فإذا حلّت هذه المواضيع الأربعة باتفاق الآراء تكون الكنيسة الأرثوذكسيّة قد أثبتت قدرتـها على أن تسخّر القوانين القديمة لحلّ المشاكل الجديدة وهذا معيار مصداقيّة النظام الأرثوذكسيّ. عندئذٍ تدخل الكنيسة الأرثوذكسيّة الألف الثالث وقد تخطّت أوزار التاريخ لتكون قوة روحية فاعلة في خدمة الإنسان والمجتمع بإنجيل الربّ يسوع وتكون قد قدّمت للعالم المسيحي نموذجاً للوحدة الكنسية تلتقي فيه المجمعيّة والأوليّة ولا تتعارضان.
أخيراً أمنيتي هي أن يدعم الوحدة الأرثوذكسيّة صندوق مشترك يساهم فيه كلّ أرثوذكسي في العالم ولو بفلس الأرملة فيكون أداة لمساعدة كلّ كنيسة أرثوذكسيّة تواجه أوضاعاً صعبة، وتعبيراً عن شركة لا تقوم فقط بالإيمان والأسرار المقدّسة والصلاة والاجتماعات بل يدعمها تضامن في العمل الرسوليّ للكنيسة الجامعة التي تؤلّف جسداً واحداً في الربّ يسوع، لا بل جسد الربّ الواحد.
مجلة النور 1997، العدد 4، ص 228-240