الإيمان والتحرير – البعد الاجتماعي للحياة الروحية – “الإنجيل على دورب العصر” – منشورات النور – الطبعة الثانية – 1995

mjoa Wednesday September 24, 2008 162

طبعات أخرى: منشورات النور – الطبعة الأولى – 1982

منشورات النور – الثالثة – 1997

 

alimanwatahrirهذا البحث بدأ مقالاً كتبتُه سنة 1978 لمناقشة مقال (منقول عن تسجيل حديث شفهي) نُشر لأحد الأصدقاء الذي أشاركه القناعات الأساسية الواحدة، إنّما اختلفنا، على الأقل في الظاهر، على كيفية ترجمتها على الصعيد الاجتماعي. ثم ظهر، سنة 1982، بشكل كتيب كان أول ما صدر من سلسلة “الإنجيل على دروب العصر” التي قررت منشورات النور إطلاقها آنذاك.

 

.

ولكن ما نُشِرَ في ذلك التاريخ لم يكن بالحقيقة سوى الخطوط الأولى لبحث موضوع متشعب وحساس كنت أعرف أنه يتطلب مني، حكمًا، مزيدًا من التدقيق والتوسّع. كما أن الوقائع والإحصاءات التي أوردتها عند تعرضي للموضوع في أواخر السبعينات صارت طبعًا بحاجة إلى تحديث على ضوء التطور الذي شهده العالم منذ ذلك الحين.

لذا أقدّم اليوم إلى القراء الكرام طبعة ثانية لهذا الكتيب بعد أن تحول إلى كتاب ذي حجم معقول، حُدِّثت وقائعه وأرقامه ومراجعها، مع استمرار الهاجس الأساسي الذي ألهم البحث منذ نشأته، ألا وهو التأكيد على الالتحام، الذي لا بدّ منه بنظري، بين “الحياة الروحية”، أي الاتصال الحيّ بين المؤمن وربه، وبين الالتزام الاجتماعي. علمًا بأن هذا الالتحام ينبغي أن يكون، برأيي، على شاكلة ما نؤمن به نحن المسيحيين من علاقة بين الألوهة والإنسانية في المسيح الواحد. أي أن الالتحام الذي أعنيه لا انفصال فيه، كما أنه، بالمقابل، لا يحتمل الاختلاط. فالانفصال ينفي “الحياة الروحية” عن واقع الأرض ويجعلها ضبابية تسبح في الغيوم وتبقى دون أثر في التاريخ، كما أنه يحرم الالتزام الاجتماعي من موجّه أساسيّ له يرسم لجهاده مرماه الأخير ويحفظه من التورط في خضمّ الأهواء ويحميه من خطر تنصيب الوسائل وكأنها غايات. أما الخلط بين الروحيات والاجتماعيات، فلا يقلّ أذى عن الفصل بينهما، إذ يؤدي إلى تجاهل الخصوصيات التي تميّز الشأن الديني عن الشأن الاجتماعي، فلا يعطى هذا حقه ولا ذاك، ويذهب الأمر إلى حدّ تسخير الله نفسه، عن وعي أو غير وعي، لأغراض السياسة (رغم ما قد يعطى من تبرير لذلك عبر الادعاء بأن السياسة هي التي، في هذه الحال، تُسخّر لأغراض الله)، والانحدار به، وهو الغاية المطلقة، إلى دور الوسيلة.

مجمل الكلام أن كلاًّ من الانفصال والاختلاط بين “الحياة الروحية” والالتزام الاجتماعي، لا يقلّ عن الآخر إفسادًا لهذا وتلك.

أما التعانق بينهما، مع الحرص على مراعاة التمايز الواجب، فإنه يسمح للمؤمنين، من مختلف الأديان والمذاهب، أن يجندوا طاقات إيمانهم وما يقذفه من نور في أذهانهم، ورأفة في قلوبهم، وقوة في عزائمهم، أن يجندوا ذلك كله في سبيل إنقاذ عالم يعاني اليوم من وضع مأساوي يترافق فيه تعاظم منقطع النظير لسلطان المال وأولوية هاجس الكسب، مع إنتشار مريع للبؤس وتوابعه المأساوية من جوع ومرض وتخلف وجهل ومهانة. سوف يفصّل الكتاب هذه الصورة في حينه، بالوقائع والأرقام. يكفي الآن أن نجملها بهذه النبذة المستمدة من صحيفة “أنترناسيونال هيرالد تريبيون”، في عددها الصادر في 17 أيلول 1994:

“في فترة ثلاثين سنة، تضاعف خمس مرات الفارق بين البلاد الأكثر ازدهارًا وتلك الأكثر حرمانًا! حاليًا يعيش مليار من الأشخاص من قلة الموت (…)، ولا تصل المياه الصالحة للشرب إلى مليارين منهم، ويموت ثلاثة ملايين طفل كل سنة من سوء التغذية”

حالة العالم هذه تتحدى ضمير المؤمنين، من مسيحيين وسواهم، وتطالبهم بأن يعملوا، عبر التزام نضالي يشاركون فيه كل مخلصي الدنيا، متدينين كانوا أو غير متدينين، من أجل ترجمة اجتماعية ملموسة لما يعلنه إيمانهم من أن القيمة الأسمى ليست المال بل الإنسان، “صورة” الله و”خليفته” في الأرض، وأن الحضارة الحقة لا تقوم على تحرير المال، لكي يسحق الضعفاء لصالح حفنة من المتخمين، بل على تحرير الأذلّة، من خصّهم الله بكرامة فائقة في عينيه.

 

طرابلس – الميناء (لبنان) في 10 كانون الثاني 1995
ك.ب:

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share