إنسان هذه الأيّام ثائر، في قرارة نفسه، بامتياز!. ثائر على كلّ شيء!. في كلّ مكان!. وثائر، بخاصّة، على كلّ الأنظمة الّتي لم تتعدَّ، في عمقها، حيّز الشّعارات، بل ألقت البشريّةَ في عبوديّات أقسى من ذي قبل!. كلّ ثورة اندلعت، في التّاريخ، أو تكاد، ما لبثت أن تبلّد رموزها، ونهجت نهج مَن ثارت عليه، تسلّطًا وقمعًا…
جلستُ إلى مكتبي، الأسبوع المنصرم، وكان في نيّتي أن أختم سلسلة مقالات “التماعات أنطاكيّة” بكلمة في موضوع القداسة وما إذا كان الأب الياس، في منظورنا، قدّيسًا أم لا. لكنّ ثمّة ما منعني!. تمرّد قلمي حتّى عييت!. فقلتُ: ليس هذا أوان الرّضى!. فبحثت عن بديل، وكان البديل مقالًا عن الأب الياس من الأرشيف بعنوان “… ويرتحلون،…
لا أريد أن أتوقّف عن الكلام على الأب الياس، عند هذا الحدّ، ولا أستطيع!. لكنّي أقطعه بخبر ما عاينتُ. منذ بعض الوقت وأنا أتساءل: لماذا، الآن، يأتي هذا الإلحاح الأحشائيّ في الكتابة عن الرّجل؟!. في الحقيقة، لا أعرف تمامًا!. فقط أشعر، في نفسي، أنّ ثمّة جديدًا عندي، في تعاطي الكلمة والمقالة، لم أعهده من قبل……
أبانا الياس، بارِك سلام، وإن كنتُ لا أعرف كيف أخاطبك!. أمّا بعد، فأسألك أن تسامحني إن كنتُ قصّرتُ أو استفضتُ أو بالغتُ!. أنا لا أعرف كما أنت الآن تعرف!. لذلك اقبلني كما اعتدتَ أن تقتبلني!. أنتَ تعلم أنّي أودّك!. حاولتُ كتابتَك، اليوم، بشيء من الجهد، فوجدتُني أكتبني، والكلام يغادرني، ألتقطه ثمّ يغادرني، من جديد، فقلتُ:…
كان الأب الياس على حكمة فذّة. والحكمة الحقّ تأتي من المحبّة، وغرضها المحبّة. لا تلتمس الحكمةُ العدالةَ، بمعناها البشريّ. تلتمس البرّ..!.. لذلك همّها البنيان.!. جاء ابن الله إنسانًا ليخلِّص ما قد هلك، ليبرِّر الفجّار بالإيمان والتّوبة.!. “كلّ خطيئة تُغفر لبني البشر…”. البرّ أن تصير مَرْضيًّا لدى ربّك “المحبّة”، تقتدي بعطاء زكّا بعد عشارته، وبمحبّة المرأة…
مرّات عديدة أتيتُ على ذِكر دموع الأب الياس. يطيب لي، الآن، بنعمة الله وبركة الأب الياس، أن أسعى إلى الخوض في شيء من سرّ دموعه.!. من الدّموع ما هو من البشرة، أوّلًا. ثمّة ما هو من المشاعر والعواطف والإنفعالات، وثمّة ما فيه نُبل، وثمّة ما فيه خسَّة.!. تبكي، إن بكيت، حين تحزن، حين تتألّم، وتبكي…
عندما استعرت أزمة انفصال المطارنة الأربعة عن المجمع الأنطاكيّ المقدّس، وبدت الكنيسة في خطر الانشقاق، دخل الأب الياس ورهبان دير الحرف في الصّوم والصّلاة. الصّوم والصّلاة، على سيرةٍ أمينة لله ووصاياه، وعلى قلب خاشع متواضع، هما وسيلتا الاتّصال بامتياز بين الإنسان وربّه. الله هو السّميع المستجيب. “القلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله”. كلّ همّ بين…
تعلّم الأب الياس، على غرار الرّسول بولس، أن يموت كلّ يوم!.خروجه من العالم، أصلًا، كان، على حدّ تعبير الرّسول المصطفى، لأنّ “العالم صُلب لي وأنا للعالم”!. ولكن، غريبًا كان أمر الأب الياس!. للنّاظر إليه، في رهبانيّته، كان يبدو كأنّه لم يتنازل عن أمور كثيرة في العالم. بالعكس، كان يطلبها من وقت لآخر، ويتصرّف كأنّه يستأنس…
أهل هذا البلد كلّهم متسيّسون. قلّما تجد مَن لا تهمّه السّياسة، ولو من بعيد، أو مَن ليس له وجهة نظر سياسيّة. السّبب بسيط أنّ البلد صغير وهو على تقاطع طرق إقليميّة ودوليّة، ومعيشة سكّانه مرتبطة بواقعه السّياسيّ، المتقلّب بصورة شبه دائمة، لأسباب داخليّة أو خارجيّة، أو الإثنين معًا، وفترات الاستقرار فيه قصيرة نسبيًّا، بمعدّل خمس…