أي مقاومة؟

الأب جورج مسوح Saturday December 31, 2005 193

الأب جورج مسوح

 

صدر في صحف السادس عشر من شهر تشرين الثاني ٢٠٠٥ خبرٌ ورد من إحدى المدن اللبنانيّة عن تشكيل «هيئة دعم المقاومة العراقيّة» تضمّ بين مؤسّسيها رجال دين مسيحيّين ومسلمين، بالإضافة إلى بعض الناشطين في الشأن العامّ من المدنيّين. وقد مهر أحد الكهنة الأرثوذكسيّين توقيعه على البيان التأسيسيّ الذي تلي في مؤتمر صحافيّ.

اللافت في هذا البيان أنّ الهيئة تدعم ما أسمته بالمقاومة العراقيّة «بكلّ أشكالها» من دون تمييز، وبخاصّة أنّها ليست مقاومة واحدة بل مقاومات مختلفة لها أهداف يسعنا وصفها بالمتناقضة. فبعض هذه «المقاومة» يستهدف المدنيّين العراقيّين العزّل، بواسطة التفجيرات العشوائيّة أو العمليّات الانتحاريّة. وبعضها الآخر لا يقاوم من أجل الحرّيّة أو من أجل القيم الإنسانيّة السامية، بل من أجل العودة إلى الوراء، إلى تاريخ مجيد لم نرث منه إلاّ التخلّف ومزيد من الظلاميّة.

لسنا لندافع عن الاحتلال الأميركيّ للعراق، أو عن الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين والجولان، أو عن سواهما من الاحتلالات التي ندين. وتاريخنا المسيحيّ الأنطاكيّ القديم والمعاصر خير حجّة في الدلالة على مقاومتنا كلّ أشكال الاحتلالات الغريبة التي حلّت في مشرقنا العزيز من غابر الأيّام إلى اليوم الحاضر.

الاعتراض، هنا، على التعميم في دعم المقاومة «بكلّ أشكالها». فلا يمكن، دينيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا، دعم أيّ فصيل يزعم المقاومة، وخصوصًا حين يتعلّق الأمر بالأساليب الإرهابيّة التي يرتكبها بحقّ الأبرياء والمدنيّين من أطفال ونساء وشيوخ ورجال ساعين إلى لقمة عيشهم وعيش عيالهم. ولا يمكن دعم أيّ مقاومة فئويّة أو أصوليّة تستهدف دور العبادة، لأسباب طائفيّة أو مذهبيّة.

المطلوب ممّن يرغب في دعم المقاومة ألاّ ينزلق إلى مواقف تناقض مبادئه الإيمانيّة والأخلاقيّة. فالتمييز بين الحقّ والباطل واجبٌ في هذه الحالات، وليس كلّ مَن ادّعى المقاومة مقاومًا حقًّا. من هنا، لزوم تصويب الانحرافات التي قد ينجرّ إليها البعض بدافع مسايرة بعض الشركاء في الوطن الواحد.

ينبغي ألاّ ننسى يسوع المسيح وتعاليمه عند انخراطنا في مواقع تفترض التمييز والوضوح.

 

مجلة النور، العدد التاسع 2005، ص 461-462

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share