تقرير الأمين العام 36 – تشرين الأول 2005

mjoa Sunday June 29, 2008 167

نشكر الله أنه جمعنا إليه رغم كلّ الصعاب. أشكره على جهود أعطيتم أن تبذلوها سعياً لانجاح هذا اللقاء، الأمر الذي يدلّ على تشّبثنا بوحدة نفتقد إلى كثير من معالمها في محيطنا الكنسي الأنطاكي. إن سعينا الوحدوي هذا إن دلّ على شيء فإنما على أن محبّة الله ما زالت تفعل في ضعفاتنا، معمّدة اياها بالنعم، ومستحيلة بها  قوّة، لنا، في مسيرة النهضة. ذلك أن في كلّ مشاركة في ما يجمعنا يكمن وجه من وجوه النهضة، لأن لا نهضة لنا خارج الوحدة. فكمّ يتألّق هذا الوجه حين تأتي المشاركة في ظلّ ظروف قاسية لتؤكّد ايماناً لنا بأن مؤتمراتنا هي الرحم الذي منه تغتذي وحدتنا وفيه تنمو. فنحن، في رحابها، نسعى الى صياغة ما يوحّدنا إزاء كلّ ما يطرأ علينا من قضايا أو ما يتحدّانا من صعوبات.

.

إن شئنا، حقيقةً، أن تستمرّ هذه الوحدة كان علينا أن نكون “في نفس واحدة”. حينها، فقط، نؤهّل لنستمطر نِعم الروح القدس علينا لنمسح، بها، ما نعاينه من جراح نلحظها، في جسد الربّ، عبر الجراح الملحوظة في وجوه مسيرتنا وفي وجوه أخرى. فإيماننا أن ما من جرح يعتري مسيرتنا إلا ويُنزف الجسد الكنسي الواحد. ويقيننا إن أيّ نزف يصيب هذا الجسد، هو، بالضرورة، يصيبنا. هذا ما يفسّر أننا لم نُعن يوماً بهمّ لا يعني الكنيسة ولم نقتن شأناً غير شأنها، فالكنيسة هي الأساس الذي منه وله ولدنا.

نحن نثبت في هذه الرؤية قدر ما نحن ثابتون في رؤيتنا النهضوية. وثباتنا هذا لا تزعزعه أوجه أليمة  يتخبّط بها واقعنا الكنسي أو عثرات نواجَه بها بسبب هذا الواقع أو لغيره من الأسباب. فلا عثرة يمكن أن تحجب عن أيّ منا إيمانه “بمسؤوليته عن الكنيسة بأكملها”. ذلك لكوننا ندرك أن منبع الصعوبات هي الخطيئة الكامنة في نفوس البشر، ولكوننا نتطلّع، من خلال تجسيدنا للمسؤولية هذه، إلى توبة تنفض غبار الخطيئة عن نفوسنا وعن وجه كنيستنا.

وإن تحدّثنا عن أوجه أليمة فإن هذا لا يعني، البتّة، أننا لا نلحظ أوجهاً أخرى مضيئة تفرحنا، وعليها نشكر الله. وحين نُبرز هذه الأوجه، كما نراها، وعلى صواب كنّا أم على خطأ، فإننا لا نبغ إدانة أحد أو تشهير بضعفات، فنحن ندرك، أيضاً، حجم الضعفات التي فينا. إن تحدّثنا، إنما ذلك لبلوغ غاية واحدة نرتجيها دائما، ترجمة لمسؤوليتنا، هي المساهمة في معالجة هذه الأوجه حيث نرى أن لا سبيل الى ذلك إلا في تحديد العثرات درباً الى المعالجة.

بأسف نقول إن إحدى هذه الأوجه هي الشوائب التي ما زالت تعتري علاقتنا والرعاة، في بعض الأماكن. ورغم أنني توقفت، باسهاب، في تقريري العام الماضي، عند وقائع هذه العلاقة وتأثيراتها، وحدّدنا رؤيتنا الايمانية لسبل استقامتها، فإن هذا لا يمنع أن أشير، مجدّداً، الى خلاصة ما يُسهم، بنظرنا، في تأزيمها. إنه الامعان في استهداف وحدتنا- الذي نرجو ألا يكون تغطية لشرذمة قائمة – وفي استهداف حرّيتنا – الذي نرجو ألا يكون استجابة لرؤية سلطوية – دون أن أنفي إمكان كونهما جواباً على ما يُظنّ أنه ممارسة خاطئة، من قبلنا، أو تصرّف لا يليق. هذا لا يعني أن ليس لدينا مثل هذه الممارسة أو هذا التصرّف، لكنّهّما، اذا وجدا، فباعتقادي أنهما لا يشكّلان سبباً للتعرّض لأساس رؤيتنا الكنسية. لا سيّما وأن الممارسات الخاطئة لا تُحصر بنا، كما أن كلّ المسؤولين الكنسيين المعنيين يعرفون مكانة ما نحن مستهدفون به في ضميرنا الايماني. فالحرية والوحدة تتكاملان لتشكّلا درباً واحداً يصل بالمؤمن الى الخلاص. الحرية التي نتشبّث، كمؤمنين، بها هي الحرية المواهبية، “الخادمة لبنيان الجسد الواحد” والناشطة في سبيل أن ننتهي، جميعاً، الى وحدة، “الى قامة ملء المسيح”. والوحدة التي تخصّنا هي الوحدة الثالوثية المضمون والصورة، المتطلّعة الى إحياء المواهب والفرح بها لكونها تبغي التمايز وتترسّخ به. من هنا نقول أنهما تتكاملان، لأن إحداهما هي، بالضرورة، طريق لبلوغ الأخرى. ولذلك نحن نستشّف في كلّ سعي لتقنين عمل المواهب في الكنيسة استهدافاً للكنيسة ووحدتها، وفي كلّ استهداف لوحدة كنسية قائمة سعياً لتقنين عمل المواهب.

وإنطلاقاً من هذا يمسي ما يخصّ الوحدة والحرّية، في الكنيسة، شأناً لا تُحصر مفاعيله بعلاقتنا والرعاة فقط، بل شأن يخصّ، بامتداداته وانعكاساته، كلّ المواهب في الكنيسة. وانطلاقاً من هذا ننطلق، نحن، في مسعانا لاصلاح المواقف التي تستهدف هذين الوجهين. ليس من كوننا نقلق لحال نعيشها هنا أو هناك- فسلامة رؤيتنا تشكّل حصانة شهادتنا- بل لكون أن استهدافهما، لدينا أو لدى غيرنا، يعكس خللاً في الرؤية الكنسية يحجب الخلاص عن “الرعية” ويعيق المؤمن عن تفعيل معموديته بيسوع المسيح وفق ما مُسح به من مواهب. ولعلّ خير ما يجب أن يهدف اليه مسعانا، في هذا السياق، هو مواجهة المفاهيم الدنيوية التي لا يجب أن نسمح لها بأن تحلّ بدل المفاهيم الكنسية لتجيز التجزئة بديلاً للوحدة، والتسلّط بدل الخدمة. ويحضرني هنا قول صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع: “بدون الروح القدس تصبح الكنيسة مجرّد منظّمة وتتحول السلطة، فيها الى تسلّط… ومن خلال الروح القدس تصبح الكنيسة رمز الوحدة الثالوثية، والسلطة خدمة محرِّرة…” (وحلّ بيننا: ص. 47). ففي هذا القول ما يذكّر بشهادة نرجوها لكنيستنا، دائما، وهي أن تكون كنيسة معمِّدة للعالم لا كنيسة على صورته، فلا جمع بين هذه وتلك لأن إحداهما لا تُبنى إلا على أطلال الأخرى.

أيها الأخوة، قلت إن سعينا لمواجهة ما نعتقده خللاً في المسار الكنسي هو تجسيد لمسؤوليتنا عن الكنيسة. وقلت أن في تجسيدنا لهذه المسؤولية مسار توبة. لكن، لا استقامة لمسار التوبة هذا ما لم نتحلّ، في مسعانا الاصلاحي، بسمة انجيلية هي المحبّة التي لا خيار لنا سواها. حذاري أن ندع ضجيج العثرات والصعوبات يحجب، عنا، كون شهادتنا هي لرأس كنيسة افتدى ضعفات البشر بالصلب. نقول بالمحبّة لا بالمحاباة، وقوامها الحوار المرتكز على المصارحة ووضوح الرأي.  ونقول بالحوار والحوار فقط، ومنطلقه ثقة كلّ منا باخلاص الآخر فيما يرتأيه من سبل لخدمة الكنيسة. فلا يخطئ أحد باعتقاده أن هذه الثقة، إن وجدت، ستغيّب مواهب في مواهب أخرى أو تُبدل رأياً بآخر أو ستقود الى إقرارنا برؤى مغلوطة. ما ستقود اليه هذه الثقة  هو احلال الصفاء في النفوس ليشعر كل منا، بحقّ، أن خلاصه هو غاية الآخر.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share