العوائق النفسية لحياة الشركة

mjoa Sunday August 31, 2008 291
أولاً: تحديد الشركة:

وحدة في تميّز (الروح الواحد المستقر على كل واحد بشكل ألسنة نارية) لا ينعزل فيها الفرد عن الجماعة ليتابع أهدافه الخاصة بغض النظر عنها أو باستغلالها (فردية أم فردانية) كما أنه لا ينصهر ويذوب فيها فاقدًا حريته ومتحولاً إلى دولاب في آلة (جماعية)، مما يحول دون أي اتصال صميمي بينه وبين الآخرين. في الشركة، الحياة المشتركة تنمي الشخص وتؤكده في فرادته وبالمقابل فنموّ الشخص يغني الجماعة ويعمّق الحياة المشتركة.

.

ثانيًا: مقومات الشركة على الصعيد النفسي:
العطاء: من صفات الراشد الذي يُفرض أنه تجاوز استيلائية الطفل فأصبح قادرًا أن يعطي بقدر ما يأخذ أو أكثر مما يأخذ.
تقبّل الآخر: العطاء مزيّف إن لم يكن مقرونًا باحترام لكيان الآخر، باعتراف بفرادته. هذا يفترض بأن يتقبل المرء الآخر، على أنه آخر أي متميز عنه. هذا مزعج جدًا بالنسبة لهذه النزعة (الطفلية في أساسها) إلى اعتبار الذات محورًا للكون وكل شيء على أنه امتداد للذات. هذا يفترض أن لا نكتفي بالعطاء بل أن نقبل بأن نأخذ من الآخر (نأخذ منه آراء، ومساعدة، ومعارضة ونقدًا…). لا معطائية حقة بدون هذا التقبل للآخر، كما بيّن دوكونشي مثلاً

ثالثًا: العوائق النفسية لحياة الشركة في الجماعات الحركية الأساسية (فرق، لجان….)
ما يعيق الشركة هو ما يعيق أحد مقوماتها أو كليهما معًا، أي ما يعيق العطاء أو تقبّل الآخر.

1-  العوائق النفسية التي تحول دون العطاء.

أ- الفردية (“كل أحد لنفسه”): تغذيها عقلية البيئة (فردية اللبناني: أنظر مثلاً السائق اللبناني)، التربية المدرسية التقليدية (علاقة عمودية بين كل طالب على حدة والمدرّس، لا علاقة أفقية بين الطلاب أنفسهم إلا على هامش العمل المدرسي). جماعاتنا الحركية كثيرًا ما تقلد بشكل لا شعوري هذا النموذج المدرسي التقليدي.

ب- السلبية: العطاء يتطلب أن يكون المرء فاعلاً، لا متلقّيًا فقط، أن يأخذ المبادرة لا أن يكتفي بالإنقياد، أن يمارس حريته بما يقتضيه ذلك من مجازفة عوض أن يحتمي وراء قرارات الآخرين. هذا يتطلب ثقة بالنفس وإحساسًا بالمسؤولية ورغبة في الخلق والإبتكار. التربية العائلية كثيرًا ما تشكل عقبة في سبيل اكتساب هذه الصفات التي هي ميزات النضج النفسي. العائلة اللبنانية مثلاً كثيرًا ما هي حامية بإفراط للولد أو متسلطة أو الإثنين معًا، مما يؤول إلى إعاقة الفرد عن اكتساب الثقة بالنفس والشعور بالمسؤولية والرغبة في الابتكار، كما أنه يؤول إلى تخليد مركزية الأنا الطفلية عنده (هذا ما يعيدنا إلى الفردية). في جماعاتنا الحركية كثيرًا ما نقلد لا شعوريًا النموذج العائلي المذكور، مما يؤول إلى تسلط من قبل القائد أو إلى نزعة عنده بأن يعمل كل شيء بنفسه، يقابل ذلك عند الأعضاء نزعة إلى الإنقياد السلبي للقادة، لممثلي الوالدين. أضف إلى ذلك شعور بعض الأعضاء بأن الجماعة – أو قائدها، أو بعض أفرادها- واقفة لهم بالمرصاد لتحكم عليهم وتقيّمهم (ننسى في كثير من الأحيان أن موضوع حكمنا وتقييمنا ينبغي أن يكون التصرفات لا الأشخاص، وأنه يجب أن لا نصنف الأشخاص) أو أنها متهجمة عليهم أو نابذة لهم، مما يحكم عليهم أيضًا بالسلبية.
تلك التبعية التي تعيق حياة الشركة لأنها تجعل الفرد يأخذ ولا يعطي، هي بلا شك مصدر شعور بالأمان بالنسبة لهذا الفرد (تحميه من مجازفة المسؤولية) ولكنها تعبير عن إستقالة للشخصية يصعب احتمالها، لذا تولد كردّ فعل عدوانية قد تبقى مكبوتة إلى حين تنفجر بشكل مدمّر مما يقطع المجال – على الأقل مؤقتًا – أمام كل حوار مع الجماعة ويقود إلى تفسخها أو إنقطاع البعض عنها. ويجدر هنا الذكر بأن انقطاع الحوار في الجماعة قد يجعل الحوار صعبًا مع الله نفسه.

 

ج- الموقف النقدي الهدّام

هناك شكل خاص من أشكال السلبية، قد يكون ردّ فعل لها، كما رأينا، ألا وهو الموقف النقدي الهدّام، موقف لا يتوخى من وراء نقده، أكان ذلك بشكل واع أو لا واع، إلا نقض ما هو قائم، لا اصلاحه أو تجديده أو حتى تخطيه إلى ما هو أفضل. قد يعتقد هو عكس ذلك، ولكن نوعية سلوكه تشير إلى موقفه العميق: فإنه ينقد ويهاجم، ولكنه لا يقترح بديلاً لما ينقضه، وإن حدث واقترح هذا البديل، فإنه يشير إليه بشكل عام، مجرد، مبهم، ولكنه لا يكلف نفسه مشقة إيضاح مشاريعه والتخطيط لأجل تحقيقها، كما أنه لا يهتم بالالتزام الدؤوب، المواظب، لهذا التحقيق بما يقتضيه من جهاد يومي واهتمام بصغائر الأمور. من هذه الصورة (التي هي نموذجية ليس إلاّ) تظهر السلبية الكامنة وراء هذا الموقف الملتزم بالظاهر: ذلك أن النقد هنا أصبح ذريعة للتهرب من المساهمة في البناء، بما تتطلب تلك المساهمة من احتكاك مزعج بالواقع ومقاومته وحدوده، وبعبارة أخرى أصبح ذريعة للتهرب من العطاء الحقيقي غير الكلامي (رغم أن النقد قد يكون مركزًا على “كلامية” الآخرين). هناك وجه آخر للشبه بين هذا الموقف وموقف التبعية السلبية، ألا وهو أن كلا من التابع والناقد الهدام أسير الوضع الراهن، ولكن كلا منهما على طريقته: فالأول أسيره لأنه لا يفكر إلا بتقليده والثاني أسيره لأنه لا يفكر إلا بمخالفته، ولكن هذا أو ذاك عاجز عن تخطيه لإبتكار شيء جديد.

هذا الموقف قد يحدث كما قلنا كردة فعل للتبعية إذا فرضتها الجماعة الحركية بنمط عيشها أو أملتها على الإنسان تربية خانقة. أما معالجته فلا تكون بمحاولة اسكات الناقد ورده إلى التبعية الصامتة أو المقلدة، ولا بالتملق الديماغوجي له أو الاستسلام أمامه، بل بصمود متفهم يتقبل العدوانية دون أن يرضخ لها أو يجيب عليها بالمثل، فيساعد صاحبها على أن يتخطاها هو أيضًا.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share