حضورنا في الرعيّة

mjoa Sunday October 5, 2008 192

1- معنى الحضور ومستلزماته: إن عقيدة التجسّد، كما العقائد الأخرى، كُشِفت لنا لنحيا بموجب حقائقها ونبلغ المقاصد التي خطّها الله لنا منذ الأزل، لذا وَجَبَ أن تكون حاضرةً أمامنا في مجمل أوجه حياتنا الكنسيّة في الروح القدس.

.

بحسب هذه العقيدة، فإنّ الحضور الإلهيّ بيننا قد بلغ ذروته في شخص يسوع المسيح الإله- الإنسان. وهذا يعني أن هذا الحضور ليس هو مجرّد تموضع أو حضور شكليّ منظور، أو حتى غير منظور، في الزمان والمكان، أو إشغال لمساحة معيّنة ضمن أبعاد الكون الثلاثة أو الأربعة. هذا النوع من الحضور استثمره الله، فعلاً، قبل التجسّد. ولم يجعل من تعاليه ولا معقوليّته ولا محدوديّته عائقًا أمام حضوره بيننا. فهو سيّد الكون والأبعاد والأزمنة والأمكنة وله أن يستخدمها كما يشاء محبّةً لنا وخدمةً لأجلنا.

لكنّ حضور الله، بحسب عقيدة التجسّد، هو من نوع آخر، إنّه حضور اتحاديّ – شركويّ، بمعنى أنّه حضور يتخطىّ ذاته إلى الآخر. من خلال التجسّد، حدث اتّحاد أقنوميّ بين الإبن والإنسان بشخص يسوع إبن مريم. هذا يعني أنّ الله، شاء، من خلال تجسّده، أن يكون حضوره في الكون عبر الطبيعة الإنسانيّة. لقد جعل الله، بالتجسّد، الإنسان وسيلة للتجسّد وغاية له في آن معًا. فلكون حضراته قبل التجسّد لم تكن كافية، لنا، لاتمام خلاصنا شاء أن تكون الطبيعة الإنسانية شريكة للطبيعة الإلهيّة في عمليّة الخلاص. محبّته واحترامه لهذه الطبيعة، المغايرة له بالتمام، جعلت الخلاص فعلاً شركويًّا بين الله والإنسان وأقصت عنه كلّ مظاهر القسر والإملاء. فالحضور الإلهيّ، الهادف أصلاً إلى الخلاص، لم يكتمل إلاّ بالتآزر مع الحضور الإنسانيّ الفاعل والمشارك. إنّ الخلاص، بحسب عقيدة التجسّد، لم يتمّ من خلال الإبن فقط، بل من خلال الإبن المتجسّد، أي من خلال يسوع المسيح، أي من خلال إتحاد الإبن بالإنسان. كما أنّ الحضور الإنسانيّ في شخص يسوع المسيح لم يكن حضورًا شكليًا أو تسهيليًا، بل حضورًا فاعلاً ومشاركًا. خلاصة القول، إنّ الحضور، بالمعنى المسيحيّ، هو حضور شركويّ. فعاليّته تكمن في أنّه حضورٌ تقريريّ وتنفيذيّ. وإذا عدنا إلى عنوان هذه الورقة يتكشّف لنا، مما قلناه، معنى حضورنا في الرعيّة. إستقامة الرعاية وفاعليتّها مرتبطتان بهذا النوع من الحضور.

 

2- حضور من؟: ما المقصود بـ”نا”؟ أوّل ما يتبادر إلى ذهننا ونحن في مؤتمر حركيّ، أنّ المقصود هم الحركيّون. وليس في ذلك ضررٌ أو إنحراف أو إنغلاق. فالكلام على حضورنا في الرعيّة نابعٌ من خصوصيّةٍ سَعَيْنا إلى اقتنائها والتمسّك بها منذ تأسيس حركتنا. ولكنّ للخصوصيّة وجهين: وجهًا إنغلاقيًّا ووجهًا نموذجيًا إنفتاحيًّا:

 أ- الأوّل يجعل منها هدفًا بحدّ ذاتها، يرتاح لها وينتشي بها ويجد بها ذاته بعيدًا عن أيّ شركة مع الآخر المختلف عنها. هذه الخصوصيّة لا تتحقّق حضورًا بالمعنى التجسّديّ الذي أشرنا إليه.
ب- أما المعنى الثاني فيجعل من الخصوصيّة مسعىً ووسيلةً لا هدفًا. مسعى لتكوين مثالٍ أو نموذج يؤمن به ويسعى لتجسيده في محيطه. أيّ كلام على خصوصيّة حركيّة، وأيّ عمل لتكريسها، مرفوضان إن لم يقترنا بوعي مفاده أنّها لا تستمدّ مضمونها من ذاتها أو من أهواءٍ أُناسها ومصالحهم، بل من الكلمة الإلهيّة من شخص يسوع المسيح، لتكون نموذجًا يُحتذى في عيش الإيمان المستقيم:

 

2 – أ- لهذا تصبح “نا” “كلاّ” بالمعنى النوعيّ، أي شعب الله بمجمله الذي أسلم ذلته ملكيّة لله وإن كان لا يشمل إلا جزءًا من أبناء الطائفة، وحضورنا حضورًا نموذجيًّا لمجمل شعب الله.

 

2- ب- وبدون هذا تصبح “نا” “جزءًا” بالمعنى الكمّي وتاليًا عصبية تضاف إلى مثيلاتها في الطائفة ولو ضمّت كلّ أبنائها.

الخصوصيّة هي أن نكون جزءًا نموذجيًا، متألِّها، كليًّا وليس كلاًّ ذاتيًّا، بشريًّا، عصبويًّا.

 

3- الإشكاليّة: ممّا تقدّم، يتبيّن لنا أنّ حضورنا في الرعيّة إنّما هو حضور فاعل ومشارِك، وأنّ لشعب الله دورًا في الرعاية. الإشكاليّة هنا كيف لشعب الله، الذي يُصوّر على انّه القطيع، أن يَرْعَى بوجود رُعاة انتُدبوا لمهمّة رعايته وقد اقامهم الله رعاةً مسؤولين عن رعاية القطيع وقيادته إلى مراعي الخلاص وعليهم أن يقدّموا حسابًا أمامه عن الرعيّة التي أنتدبوا لها؟

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share