“نعمة أم نقمة”

mjoa Friday November 7, 2008 250

بداية أعبرّ عن فرح كبير بهذا اللقاء وأشكر الله عليه خصوصاً لسببين:

أولاً لأنه، ككلّ لقاءاتنا، يُنعم علينا الله فيه بأن نلتقي وجوهاً بعضًا الى بعض، ولقاء الوجوه  هو من  مؤشّرات الحيوية في حياة الجماعة التي هي من نعم الله الكبيرة علينا حيث، بهذه الحياة، نحصّن ذواتنا في وجه الضعفات والمغريات لنكون أكثر تأهّلاً للخدمة التي انتدبنا الله لها. ولذلك نحن نعتبر دائماً بأن هدفاً أساسياً يتحقق بمجرد انعقاد أي لقاء، وبغض النظر عن مضمونه، وهو تكريس وجه من وجوه حيوية حياتنا كجماعة.

.

 

ثانياً لأن لهذا اللقاء الأول خصوصية غير مسبوقة. فهو الأول من نوعه في حياتنا الحركية. لا تكمن أهميّة الأمر في كوننا نحقق، عبره، سبقاً مع تاريخنا الحركيّ أو تفوّقاً عليه.  فنحن، بالتأكيد لسنا بحال التسابق والمزاحمة مع هذا التاريخ. نحن أبناءه وندرك كم هو غنيّ  بالومضات والمبادرات والانجازات التي ساهمت في نموّ كلّ  منّا والتي منها اكتسب كلّ منّا ما يُشع به بشكل أو بآخر.

 

لكن أهميّة انعقاد هذا اللقاء للمرة الأولى تكمن في ما يؤشّر اليه من  بداية انتقال الجسم الحركيّ  من مرحلة اللامبالاة  بشأن شهاديّ هامّ جداً في يومنا هو الاعلام الى مرحلة بداية الاهتمام به. وهذا يدلّ الى أن هذا الجسم  استطاع أن يتخطّى تقليدية ممارسة تاريخية أعاقت وحجبت تأثيره  وفاعليته في العديد من ميادين ومطلات الحياة وبدأ السير باتجاه تفعيل حضوره في هذه المطلات وإن بحجم أو بشكل متواضع او متفاوت ما بين هذه المحلّة أو تلك أو بين الفروع والمراكز والأمانة العامة. وهذا في حقيقة الأمر يُنسب الى الجهد الاستثنائي، الذي تبذله أسرة الاعلام عموماً والأخت حنان عبدو خصوصاً والذي أتوقّف عنده بتقدير كبير.

 

فمن يعايش يوميات حياتنا الحركية يدرك كم أهميّة هذا الهاجس، أعني الاعلام أم غيره من  مطلات الحياة التي لم نعتد الاهتمام بها، قد بدأ يولد في ضمير الجماعـة الحركية ولم يعد حكراً على قيادي أو مسؤول، هذا ولو اختلفت  القناعة بسبل الحضور فيه أو قنواته بين هذا الأخ أو ذاك. وأنا أرجو هنا، وبعمق، أن ينمو هذا الهاجس كما يجب ليصير بحجم التحدّيات التي تطرحها أمامنا مطلات الحياة، غير التقليدية، وخصوصاً منها  تلك المرتبطة  بالحداثة ومتفرعاتها.

 

ولعلّه يجب التوضيح هنا  بأننا، على صعيد الاعلام، لا نقتحم الحياة الحركية بما هو غريب عنها أو عن مبادئها، والدليل أنها  ليست المرّة الأولى التي تحاول الحركة فيه التعاطي بالموضوع الاعلامي. قارب هذا الموضوع أكثر من أمين عام في تقاريره، وبُحث أيضاً في موتمرات حركيـة متعدّدة، وهناك ورقة حركية حوله صادرة عن أحد المؤتمرات ومدرجة في كتاب أنطاكية تتجدّد، كما أن الحركـة ولجت، تقريباً منذ تأسيسها، في وجه من وجوه هذا الشأن هو النشر عبر اصدار مجلة النور وتأسيس منشورات النور. لكن حتى وجه النشر هذا لم يلقى  الصدى المطلوب لدى الشريحة الأوسع من الجماعة وبقي الى حدّ كبير يعني بعض النخب الحركيـة. وهذا يشير بشكل أو بآخر الى الصعوبة التي قامت دائماًً في وجه تعميم الاهتمام بهذا العمل وتطويره.

 

ما نركّز على الاهتمام به اليوم ونتحدث عنه هو وجوه الاعلام المحيطة بحياتنا فترة كبيرة جداً من الوقت. الاعلام المرئي، بفضائياته المختلفة،  الى الانترنيت ومتفرعاتها من صفحات وفايس بوك وبريد الكتروني وغيره، الى الاعلام المرئيّ والمكتوب والمسموع، هي وجوه  ترافقنا وتعاشرنا، اغتصاباً أو إرادياً،  أوقاتاً طويلة من يومنا. وقد أكسبها التطوّر والحداثة إمكانات ومؤهّلات خيالية واسعة أقلّها القدرة على استيعاب حجم هائل من المعلومة وقدرتها على ايصالك وربطك بمجتمعات العالم كلّه وأشخاصه. فهذا المُغرى الذي تتحلّى به، مضافاً الى كثافة العشرة القائمة معها،  يُخرجانك من حال الحياد حيالها. فالتحدّي الأهمّ الذي يفرضه علينا هذا الواقع الاعلاميّ  هو أنه يضعك أمام خيار  واحد هو إما أن تكون مبادر إزاءه ومستعملاً له فيما يخدم حياتك وهمومك وأولوياتك وإما أن تكون متلقّي ومُستعملاً منه. والبرهان على هذا الأمر كم هي نسبة الشباب التي تحيّد نفسها عن الغرق بالتفاهة التي يفرزها الاعلام، اليوم، لا بما يمكن أن يكون وجوه إفادة.  وكم هي نسبة العائلات، التي مهما بلغت نسبة التزامها تستطيع أن تحيّد أبناءها عن هذه التفاهة وتدفعهم باتجاه تخطّيها.  هي نسب نادرة جداً ولهذا أنا أرى أننا أمام خيار إما أن نكون مقتحَمين بما يريد أن يصل الينا به صانعو الاعلام وإما أن نكون مقتحِمين له بما نريد أن نصل به الى العالم عبره. ولا نستطيع أن نكون إلا أبناء الخيار الثاني لأننا أبناء الالتزام الايمانيّ، الذي هو أسمى أنواع الالتزام، الرافض للميوعـة  والتفاهة والذي لديه ما يقوله في كلّ وجوه الحياة.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share