مِن بطن مَن سوف تجري أنهار ماء حي؟

mjoa Saturday May 30, 2009 229

 ثمة قراءتان للآيات الثلاث الاولى من التلاوة الإنجيلية اليوم. مِن بطن مَن سوف تجري أنهار ماء حي؟ أمن بطن المؤمن أم من بطن يسوع؟ يبدو أن القراءتين صحيحتان، ذلك أن بعض الآباء يستشهدون بها في سياقات متعددة، ويرون احيانا أن المقصود فيها هو يسوع، واحيانا اخرى المؤمن. 

.

 

التفسير الاول الذي يقول إن المقصود بالآية هو أن الآية تقول: “من آمن بي فكما قال الكتاب ستجري من بطنه انهار ماء حيّ” (الآية الثانية). ففي الكتاب (اي العهد القديم بلغة ذلك الوقت) ليس ثمة آية تقول بأن أنهار ماء حي ستجري من بطن المؤمن. غير أن السيد المسيح نفسه يقول في حديثه مع المرأة السامرية: “وأما من يشرب من الماء الذي انا أعطيه فلن يعطش الى الابد. بل الماء الذي أعطيه له يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية” (يوحنا 4 :14). اذا، لا يتنافى هذا التفسير مع تعليم يسوع القائل بأن الانسان الذي يرتوي منه يصير هو بدوره ينبوعا يرتوي منه الآخرون.

 

 اما التفسير الثاني القائل بأن أنهار الماء الحيّ سوف تجري من بطن الرب يسوع، فتجد لها سندا اكبر في كتب العهد القديم. فحزقيال النبي يتحدث عن خروج مياه من الهيكل تصير نهرا عظيما تحيي كل من تصل اليه: “فاذا بمياه تخرج من تحت البيت نحو الشرق… وكل نفس حية تدب حيث يبلغ مجرى النهر تحيا، ويكون السمك كثيرا جدا، لان هذه المياه تبلغ الى هناك وتصبح طيّبة، فكل ما يبلغ اليه النهر يحيا” (47: 1-9). والبيت في الآية يعني الهيكل، فالنبي نفسه يقول: “لان مياهه تخرج من المَقْدِس” (47: 12). فاذا كان يسوع يقصد باستشهاده بالكتاب نصّ النبي حزقيال، يكون المقصود أن الماء سيخرج من هيكل اورشليم.

  يؤكد هذه النتيجة زكريا النبي الذي يقول: “ويكون في ذلك اليوم أن مياها حيّة تخرج من اورشليم، نصفها الى بحر الشرق ونصفها الى بحر الغرب، وذلك صيفا وشتاء. ويكون الرب ملكا على الارض كلها، وفي ذلك اليوم، يكون ربّ واحد واسمه واحد” (14: 8-9). هذا يتم يوم يصعد الناجون الى اورشليم ليسجدوا للرب يوم عيد المظال (زكريا 14: 16). وهذا النص من نبوءة زكريا كان يتلى آنذاك على المحتفلين بعيد المظال.
 

 “في اليوم الآخِر من العيد” (الآية الاولى) هو عيد المظال، ولما كانت نبوءة زكريا تتلى في عبادات هذا العيد، يكون يسوع، بدعوة الحاضرين الى أن يستقوا منه ويشربوا “فكما قال الكتاب ستجري من بطنه أنهار ماء حي”، قد قصد انه هو الهيكل الحقيقي الذي سوف يجري منه الماء الحي. ويوحنا الإنجيلي يشدد على كون المسيح هو الهيكل الحقيقي، وذلك عندما قال يسوع لليهود: “انقُضوا هذا الهيكل وأُقِمْه في ثلاثة ايام” (2: 19)، ويشرح يوحنا قصد يسوع بقوله هذا: “أما هو فكان يعني هيكل جسده” (2: 21). الماء الحيّ يخرج من الهيكل، والهيكل هو يسوع، فتكون النتيجة أن الماء الحيّ سوف يجري من بطن يسوع ليروي الخليقة كلها.
 

 من هو الماء الحي؟ الإنجيلي نفسه يجيب: “إنما قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه اذ لم يكن الروح القدس بعد لأن يسوع لم يكن بعد قد مُجد”. مجد يسوع يشمل في إنجيل يوحنا الأحداث الخلاصية الصلب والقيامة والصعود. لذلك فحلول الروح القدس لن يحدث، بحسب الآية، الا بعد صعود يسوع الى السماء، ويسوع يقول في خطابه الوداعي: “انه خير لكم أن أذهب. فإن لم اذهب، لا يأتِكم المعزي. اما اذا ذهبتُ فأُرسله اليكم (يوحنا 16 :7). هذا الوعد بإرسال الروح القدس يتكرر كثيرا في إنجيل يوحنا، ويكرّس له يوحنا قسما كبيرا من خطابه الوداعي (13: 31-16  :33). ولا يخفى أن الرسول يوحنا يجمع في مواضع عدّة من إنجيله الروح القدس مع الماء الذي “يرمز في كلام المخلّص الى عطايا الروح القدس” بحسب القديس كيرلس الاسكندري (+444). فالسيد المسيح يقول لنيقوديمُس: “الحق الحق أقول لك: ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلا اذا وُلد من الماء والروح” (يوحنا 3 :5). نستطيع هنا ايضا أن نستشهد بحديث السيد مع المرأة السامرية (الفصل الرابع).
 

 يقول القديس إيريناوس اسقف مدينة ليون (+202): “الروح القدس بعد صعود الرب يسوع تنزَّل على التلاميذ، لكي يفتح باب الحياة وبشارة العهد الجديد للأمم كافة”. وهو نفسه يقول: “ليس للذين يرفضون الروح القدس حصة من الينبوع النقي الذي يخرج من جسد المسيح”. فلننهل ينبوع الحياة حتى تكون لنا الحياة بالحقيقة.
 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share