من أجل شهادة أفضل في محيطنا

mjoa Saturday May 15, 2010 611
رسالة إلى مجلس فرع الميناء،
الإخوة رئيسة وأعضاء مجلس فرع الميناء لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة

سلام بالرب قاهر الموت بموته،
عندما أقام شباب الطائفة في هذا الميناء، الذي يُعتَبَر بكثافته الأرثوذكسيّة النسبيّة وجهاً من وجوه الأرثوذكسيّة في لبنان، موكب الكرنفال هذه السنة، ولأول مرة في حياتي، يوم الأحد الأول من الصوم، مالئين به الأجواء صخباً، اعتراني شعور بالمرارة والحزن.
تذكّرت عندها كيف اعتادوا أن يُحيوا أقدس المناسبات الطقسيّة، إنْ كانت عتبة الدخول إلى الصيام  الكبير أو ليلة الفصح نفسها، بالسكر والعربدة والضجيج. ولكنّني لم أقف عند الأسف والإستنكار اللذين لا يُفيدان شيئاً إذا توقف المرء عندهما، بل طرحت على نفسي السؤال الجوهريّ بالنسبة لجماعةٍ ارتضاها الربّ أن تكون شاهدة له، وهو: ما هو مدى تأثيرنا، نحن الحركيّين، في الجماعة التي ننتمي إليها والتي شاء الربّ أن نكون فيها كالملح في الطعام والخميرة في العجين؟ ولكي لا أبقى أسير التأمّل النظريّ، فكّرتُ بخطواتٍ ثلاثٍ شِئتُ أنْ أُقترحها عليكم لمحاولة  تطوير واقع محيطنا البشريّ نحو الأفضل. لا أدّعي أنّها الأنجع والأفضل ولكنّها قد تكون بداية الطريق.

1.    تبنّي المناسبات الشعبيّة وإحياؤها بطريقة لائقة:
دينُنا دين التجسّد. فإنّ الله، لمّا اتّخذ وضعنا البشريّ، شابهنا فيه بكلّ شيء ما عدا الخطيئة. شابهنا في كلّ مظاهر حياتنا لكي تستنير به كلّها. من يقرأ الإنجيل يرى أنّه مثلاً كان يقبل الدعوات إلى موائد البشر وأعراسهم، ويأكل ويشرب معهم حتّى أنّ خصومه اتّهموه بأنّه “أكول وشرّيب خمر”، ولكن حضوره كان فريداً في كلّ هذه المناسبات يُلقي عليها ضوءاً غير معهود.
برأيي إنّه ينبغي لنا أن نسير على خطاه، فلا نحتقر الأفراح البشريّة على اختلافها، كما أنّه لم يحتقرها، بل نُقيمُها بروحه هو فنمدّ هكذا حضوره المُحيي إليها.
مثلاً جرت العادة من زمن طويل في فرعنا أن يحتفل شباب حركيّون بليلة رأس السنة، إنّما ليس بالطريقة الوثنيّة المألوفة من بذخٍ وسكرٍ ومقامرةٍ وتهتّكٍ، بل بطريقة لائقة، هادئة، تُهيّمن عليها روح الصداقة الحقّة والإعتدال، وتُتوجها الصلاة ليُبارِك الله العام الجديد.
ولم يكن الفرح غائباً عن هذه السهرات التي اتّسمت بنمطٍ فريدٍ، بل كان على العكس أعمق وأصفى وأنقى.
وقد عَلِمتُ مؤخراً بفرحٍ كبيرٍ أنّ شباباً من أسرة الطلائع في الميناء قد أحيوا هذا التقليد الحركيّ وآمل أن يكون “الحبل على الجرّار”.
إنّما هناك تقليدٌ آخر يبدو لي أنّه اندثر (وقد أكون مُخطئاً)، وهو يتعلّق بشكلٍ أكثر مباشرة بموضوع رسالتي. وهو تقليد إحياء الكرنفال بطريقة بهجة ولائقة وفنيّة في أسرة الطفولة، إذ كان يُطلَب من كل طفل أن يتبارى مع رفاقه في ارتداء أجمل ما يكون من ثياب تنكريّة. ولا أزال أحتفظ بصورةٍ التُقِطَت لولدي اسكندر عندما كان طفلاً، وهو يرتدي بهذه المناسبة زيّ روبن هود. كنّا بهذا الحرص على الجمال نلتقي مع أفضل تقاليد الكرنفال في مينائنا، إذ كان التنكّر لا يقتصر على طلي الأجساد بالأسود وقرع الطبول وإطلاق الأصوات المنكرة بل كان يصحبه إتقان وفنّ، ومنه أنغام الموسيقى الخلاّبة التي كانت تتقدّم المواكب في تطوافها في الشوارع. أقترِحُ إذاً إحياء الإحتفال بالكرنفال في الحركة، على أن لا يقتصر على الأطفال بل يشمل الطلائع وربّما غيرهم من الأكبر سنّاً.
2.    إعادة تأسيس “أسرة العمّال”:
ثمّ إنّ هناك اعتباراً آخر أكثر جذريّة من الذي سبق، ألا وهو التساؤل عن مدى انتشار الحركة في مختلف طبقات الشعب في الميناء. يبدو لي من نظرة سريعة (تحتاج بالطبع لتأكيدها إلى مسحٍ يقوم به أخصائيّون في علم الإجتماع) أنّنا نطال، بشكلٍ شبه حصريّ، في الميناء، الطبقة المتوسطة، وأنّ حضورنا ضئيلٌ جداً سواء في الطبقة الميسورة (التي هي على كلّ حال قليلة العدد جداً في الميناء)، وما هو أفدح من ذلك في طبقة الفقراء التي تُشكّل الأغلبيّة بين سكّان بلدتنا. والواقع أنّ مُهَرّجي “الزامبو” في الكرنفال وقارعي الأجراس مع السكر في ليالي الفصح ينتمون بأغلبهم إلى هذه الطبقة الفقيرة التي تكاد أن تكون شبه غير متمثّلة في صفوفنا. هذا ما يقودنا إلى إعادة النظر في مشروعنا الشهاديّ برمّته، وإلى برمجةٍ جديدةٍ له تُمَكّنُنا من الإتصال فعلاً وبشكلٍ مُستَديمٍ بهذه الطبقة المحرومة يتعدّى مُجرد توزيع المعونات عليها، ومن إيجاد “فئة مُتَنَصِّرة فعلاً لا شكلاً” (جورج خضر) في صفوفها يُمكنها أن تُصبح مع الزمن خميرة إنجيليّة  تفعلُ فيها من الداخل.
هنا أيضاً يُمكننا أن نستلهم ماضينا الحركيّ في الميناء. ففي الخمسينات وأوائل ستّينات القرن الماضي تأسّس عندنا ما كُنّا ندعوه “شعبة العمّال” (وبلغة اليوم “أسرة العمّال”)، وقد كنتُ في رئاستي الطويلة للمركز (التي امتدّت حتى عام 1964) أُوليها إهتماماً بالغاً، مُتَذكّراً خبرة “الشبيبة العاملة المسيحيّة” (JOC) التي أطلقتها الكنيسة الكاثوليكيّة في الغرب في أواخر العشرينات في بيئةٍ عمّاليّةٍ كانت قد انسلخت بمُعظَمِها عن الكنيسة. فكانت خبرة بالغة النجاح أحيَت شعلة الإيمان المُعاش لدى العديد من العمّال والعاملات الشباب ودفعتهم إلى ترجمته في مختلف وجوه حياتهم وفي نضالٍ دؤوبٍ لهم، تجسّد على الصعيدين النقابيّ والسياسيّ، من أجل إحقاق حقوق العمّال المهدورة وكرامتهم الإنسانيّة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share