نورًا أتَيتُ إلى العالم

mjoa Monday December 30, 2013 493

يقول القديس أفرام السريانيّ في مزاميره الرّوحيّةِ حول تجسُّدِ الابن:”إنّ الّذي يَجحَدُ وِلادةَ مريمَ لله لَن يَرى مجدَ أُلُوهِيَّتِه، والّذي يَجْحَدُ الْتِحافَهُ بِجَسَدٍ بِدُونِ خطيئة، لَن يَنالَ الخلاصَ وَلا الحَياةَ الّتي مُنِحَتْ بِفَضْلِ جَسَدِه” .
 
المسيحُ أتى لكي يَدعوَنا بنين لا عبيدًا، لأنّ قبل تجسُّدِ الكلمةِ كُنّا كأَطفالٍ خاضِعِينَ للسُّبوتِ والشُّهورِ وأَوامرِ النّاموس. ولمّا جاء أوانُ التّدبيرِ بالجسد، لمّا امتلأتِ الطّبيعةُ الإنسانيّةُ مِن كُلِّ شَرّ، أَخَذَ يُعوِزُها الشِّفاءُ مِن أمراضها (خطاياها)، وصارَتْ بحاجةٍ إلى تطبيب. المسيح أتى لا لأنّنا أبرار، بل لكي يَشفيَ طبيعتَنا الواهِنةَ الخاضعةَ لسُلطةِ الأهواءِ والموت.


 
كيف نعكس فرح الميلاد الإلهيّ على أيّامنا هذه؟
 
في الميلادِ يُولَدُ الكائنُ الّذي يَصيرُ إلى ما لَم يَكُنْ فيه أَصلاً، لأنّه، وهو الله، قد صار إنساناً من دون أن يتحوّل عن أُلُوهَتِه. في ميلادِ الرّبِّ غُلبَ نِظامُ الطّبيعة، لأنّ الّذي كان قبلَ الدّهورِ مِنَ الآب، يُولَدُ بِخِلافِ الطّبيعةِ مِن أُمٍّ عذراءَ لم تعرفْ رَجُلاً، لأنّ الحَبَلَ بِه كان بواسطة الرّوح القدس.
 
بميلاد المسيح تبدّد الظلامُ واستبان نوراً، كما عَبَّرَ الرَّبُّ بِقَولِه: “نُورًا أتيتُ إلى العالَم”. هل نُدرك  ذلك اليوم نحن العائشين في ظلمة هذه الأيام وغباوتِها؟ نحن المنقسمينَ على ذواتِنا؟ هل نُدرك أن المسيح أتى لكي يُنير دروب حياتنا المظلمة؟ المسيح أتى لكي يُعيدَنا إلى الحياةِ الأبديّةِ الّتي خُلقنا لها أصلًا.
 
المسيحُ أتى لكي يُنيرَ دُرُوبَ حياتِنا الّتي أظلمَتْ. انظُروا المجوسَ كيف أَرشدَهُمُ الرّبُّ إلى طريقِ الخلاص، تاركين شَعوَذاتِهم، واتّبعوا النجمَ لكي يسجدوا للإلهِ المثلَّثِ الأقانيمِ في بيت لحم. لِتَكُنْ حياتُنا تسبحةً دائمةً للرّبّ الممجَّدِ في الأعالي، ساهرين كالرُّعاة على قطيعهم. لا نَكُنْ كَهِيرُودُسَ عاشِقِينَ لِلسُّلطةِ وَلِرائحةِ الموت!
 
نحن اليوم بحاجةٍ إلى صرخةٍ من أعماق النفس- صرخةَ استغاثةٍ، ولنقُلْ: “امدُدْ يَدَكَ التي اختبرها قديماً المصريّون المحارِبون، والعبرانيّون المحارَبون منهم، ولا تُهمِلْنا فيبتلعَنا الموتُ المتعطِّشُ إلينا والشيطانُ المُبغِض لنا، بل اقترِبْ مِنّا وأشفِقْ على نفوسِنا كما أشفقتَ على فتيانك الذين مجّدوك في بابل بغير فتور، وطُرحوا من أجلك في الأتّون، ومنه صرخوا إليك هاتفين: أسرع يا رؤوفُ وبادِرْ لمعونتِنا بما أنك رحيم، لأنّكَ قادرٌ على ما تشاء” (البيت من صلاة السحر لأحد الأجداد).
 
يا أيّها المسيحيّ! هل تحوّلَ ميلادُ المخلّصِ اليومَ إلى عيدٍ عالميٍّ نستعدّ له بِمُبهرَجاتٍ عالميّةٍ من أغانٍ صاخبة وزينةٍ فانية ومآكلَ وافرة؟ أيّها المسيحيّ! اصحُ اليومَ وَاشْدُدْ حَقْوَيكَ، وانتَعِلْ حذاءَ الاستعدادِ لإنجيل السلام. كيف تتزيّنُ والكنيسةُ مُحارَبَةٌ مِن الدّاخل ومن أعداء الإيمان؟ كيف ترقص فرحاً والشيطان ينفثُ فينا كلَّ شهوةٍ وكُلَّ هوًى وكلَّ فُجور؟
 
 المسيح وُلد لكي يُجدِّدَ فينا في كُلِّ مرّةٍ نعيّدُ لميلادِه إنسانَنا الذي شاخَ مِن جَرّاءِ خَطاياه. هو يدعونا إلى أن نتجدّد في كُلِّ مرّةٍ وكُلِّ يوم. المسيح وُلد من عذراء لم تعرف فساداً، وهو يدعونا أن نتشبّهَ بِالّتي وُلدَ منها، فنكون ذوي نفوسٍ عُذريّة، مُضرِمِينَ في ذواتنا نار العشقِ لَهُ وحدَه، لأنّه هو المحبوب الذي لا ينافسه آخَر.
 
صرختنا اليوم ليست ضدّ الظلم الحاصل، بل ضدّ ذواتنا، وضدّ كلَّ تقاعسٍ وخيبةٍ قد نمرّ فيها كُلَّ يوم. لا نخافَنَّ من العثرات، لأنّها لا بدّ  حاصلة، لكن خافوا مِمَّن يُضعِفُ ذواتِنا ويَحُطّ مِن شأن إيماننا.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share