الشّباب وكلمة الله

mjoa Monday June 20, 2016 113

الشّباب وكلمة الله

 يُخطئ من يظنّ ان الشّباب لا يكترثون لكلمة الله، أو انّهم صَمُّوا عنها آذانهم وأوصَدُوا دُونَها عقولَهم والقلوب. لَعمري إنّ في هذا لَسُوءَ ظنّ مُجحفاً بحقّ الشّباب، كما وفيه شكٌّ بثقة أكيدة يستأهلونها وهي بهم لائقة. وإلاّ فكيف نفسّر الثقة الكبيرة التي يُوليهم إيّاها يوحنّا الرسول اذ يخاطبهم قائلاً: “كتبتُ إليكم أيّها الأحداث لأنّكم أقوياءُ وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرّير” (1 يوحنّا 2/13 و14)؟

gods-wordيوحنّا وثق بالشّباب وقُدراتهم وتَفاءَل بهم فكتب لهم ما كتب. اعتبر نفسه مَعنيّاً بأفكارهم وهواجسهم واهتماماتهم وبأنّ عليه، تالياً، أن يأخذها على  محمل الجِدّ. فهل كان يوحنّا مُبالغاً بثقته وتفاؤله؟ طبعًا لا، فالشباب بحاجة ماسّة إلى مَن “لا يستهينُ بحداثتهم” على حدّ ما يخاطب به الرسول بولس تلميذه تيموثاوس في 1 تيمو 4/12؛ إنّهم بحاجة إلى من يحترم آراءَهم وأفكارهم وما يطرحون ، فلا يستخفّ بها حتى لو بَدَت، في بعض الأحيان أو مُعظمها، غريبة أو مستغربة. ثُمّ من يدري؟ أفلا يمكن ان تكون أفكار الشباب وتطلّعاتهم، على غرابتها، البوّابة التي منها تَعبُر كلمة الله اليهم؟ من هنا كان على الكنيسة أن تعرف من أين وكيف تطرق أبواب الشباب عقولاً وقلوباً.

بالمنطق البشريّ قد يبدو هذا التفاؤل ضرباً من الوهم أو الهذيان، لكنّه ليس أبداً كذلك بمنطق الروح القدس الذي نُعيّد له اليوم، باعتباره “روحَ حكمة، روحَ فَهم… ومقسِّما للمواهب”. إنّ الشّباب- خلافاً لظنون كثيرين- شديدو الإنفتاح على الكلمة الإلهيّة وشديدو الرغبة فيها، شريطة أن يجدوا في الكنيسة مَن يَرحُب بهم ويتقبّلهم كما هم، أي، باختصار، أن يجدوا فيها مَن يُحبّهم. الشّباب طلّاب محبوبيّة أوّلاً وآخراً.

إنّ كنيسة مُحبّةً للشباب ومؤمنةً بتوثّباتهم وضنينةً بمواهبهم تستطيع أن تأخذ منهم ما يُدهش العالم، بل ما يُرضي الربّ ويتمجّد اسمه به ويتبارك. وهذه حركة الشبيبة الأرثوذكسية والأديار التي يَرُودُها الشباب خيرُ دليل على ذلك. فهذه وتلك تستقطبان الشّباب لأنّهم وجدوا فيهما من يجتذبهم بالحبّ قبل ان يجتذبهم بالتعليم.

طبعاً، ليس المطلوب مسايرةَ الشّباب أو دغدغتهم في ما يتّصل بمشاعرهم ورغباتهم، قطعاً لا! فهناك- حسب تعليم بولس في الإصحاح السادس من رسالته الأولى إلى كورنثوس- ما يليق وما لا يليق، هناك ما يَحِلُّ للشباب ويوافقهم، كما هناك ما يحلو لهم ولكنّه لا يوافهم. ويجب أن نكون مع الشّباب في هذا الأمر صارمين، وهم يقبلون صرامتنا إذا لمسوا انّها صادرة حقًّا عن محبّة لهم عارمة. يقول المغبوط أوغسطين: “أحبِب وافعل ما تشاء”. إلاّ أنّ الشباب لا يرضَون الكلمة الماضويّة، أي تلك التي لا تَمسُّ واقعهم ولا تخاطبهم فيه. إذ كيف يصدّقون أنّ كلمة الله هي كلمة الحياة الجديدة والمتجدّدة، باستمرار، بالروح القدس، ما لم يكن هذا بكلمة تأخذ بالإعتبار راهنهم، تخاطب هواجسهم وتواكب تطلّعاتهم وآمالهم، وتكون معهم في الطريق إذا أفلحوا أو أخفقوا؟

ثمّ، ما يرفضه الشّباب ان تهبط عليهم كلمة الله معلّبةً لا ترجمة لها في الحياة. ذلك أنّهم متعطّشون إلى الكلمة المعيوشة، فهذه تُنشئ فيهم ما لا تُنشئه الكلمة التي تبقى على مستوى النظر أو التنظير. إنّهم ينتظرون القدوة والمثال ليؤمنوا بأنّ الكلمة التي تُلقى عليهم كلمة صادقة على النحو الذي يصفها به الرسول بولس حيث ينصح تلميذه تيموثاوس قائلاً له: “صادقة هي الكلمة وإيّاها أريد أن تقرّر…” (1 تيمو 1/15). وماذا يعني أنّها صادقة سوى أنّها كلمة للحياة، بها يحيون، بها يَصقُلون ذواتهم فكراً وروحاً، وعلى قاعدتها يؤسّسون لمستقبل يكون الربّ بانيَه، ويستشرفون آفاقاً يكون الربّ فاتحَها.

في المحصَّلة، ينبغي ألاّ يخمرنا أيّ ريب في هذا: أنّ الشباب، في أحوالهم كلّها، في ثورتهم حيناً وهدوئهم حيناً آخراً، في مثاليّاتهم وواقعيّاتهم، في شكّهم وفي يقينهم، في تساؤلاتهم وتحيّراتهم، في نجاحاتهم وإخفاقاتهم، في آمالهم وخيباتهم، في صعودهم وفي هبوطهم، في اقتناصهم الملذّات أو إحجامهم عنها، في كلّ إيقاع من إيقاعاتهم إنّما يُسجّلون حركة الحياة فيهم. أجَل، هذه حركة الحياة فيهم وهذا نَبضُها، الحياة التي تفتّش عن معناها الحقيقيّ، ولا قرار َ لها إلاّ متى عَثرَت على الحقّ واستقرّت فيه. إنّ الروح القدس الذي نعيّد له اليوم، والذي به غدا الصيّادون “غزيري الحكمة”، هو الذي يشدّ الشباب إلى كلمة الله ويرشدهم إلى جادّة الحقّ. وهل الحقّ سوى يسوع المسيح نفسه؟ فقد سأله توما: “يا سيّد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟ قال له يسوع: أنا هو الطريق والحقّ والحياة، ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاّ بي” (يوحنّا 14/5 و6).

نحن، إذاً، نقوم بما علينا ونترك للروح القدس أن يفعل، فهو كفيل الباقي.
 نشرة الكرمة
19 حزيران 2016

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share