“وقال الله لإبراهيم: وأمّا أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يُختَن منكم كلّ ذكَر فتختتنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينك. ابن ثمانية أيّام يُختَن منكم كلّ ذَكَر في أجيالكم، وليد البيت والمبتاع بفضّة… فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًّا. وأمّا الذّكَر الأغلف الذي لا يُختَن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها أنّه قد نكث عهدي” (تكوين 17 :9 -14).
هذا كان كتابيًّا، أصل الختانة ومرماها عند اليهود. فرَضها الرّب الإله على شعبه لتكون علامة في اللّحم لانتمائهم إليه، وكذلك سِمة للعهد المقطوع بين الله، من جهة، وإبراهيم ونسله من بعده، من جهة أخرى. ولكن لم تكن الختانة قصرًا على الصّغار بل كانت للكبار أيضًا. وفي زمن موسى النبيّ قُضي بأن لا يأكل الفصح إلّا المختونين. في زمن الرّب يسوع، كانت عادة الختانة راسخة. وقد قبِل السيّد له المجد، ختانة بشريّة لأنّه ارتضى، من أجلنا، أن يقيم تحت الشريعة. على أنّ اقتبال السيّد لختانة اللّحم أبطلها. فالختانة كانت إليه. كانت علامة ظلّية للانتماء إليه. فلمّا اتّخذها، وضَع لها حدًّا. لذا نردّد “أنّ الختانة قد بطُلت مذ اختتن المسيح باختياره”. ارتبطت الختانة بالشريعة. فلمّا أكمل الشريعة في جسده تخطّاها ليجعلنا لا تحت الشريعة بعد بل تحت النعمة. والانتماء إلى النعمة استوجب علامة من نوع آخر. وهي المعموديّة التي صارت البديل. وإذا كانت الختانة القديمة قد اهتمّت بقطع اللّحم، فالختانة الجديدة، أي المعموديّة، تهتمّ بنبذ الخطيئة. أو بكلام أشمل، بخلع جسم خطايا البشرية. هذا وقد حاول بعض المؤمنين بالمسيح من اليهود التمسّك بختانة الجسد معتبرين إيّاها ضروريّة للخلاص، فتصدّى لهم الرّسول بولس قائلًا:” اختتنتم، لا ينفعكم المسيح شيئًا”. هذا وإنّ نقاط الدم القليلة التي بذلها المسيح يسوع طفلًا في الختانة، كانت مقدِّمة لبذل دمه كاملًا عن البشريّة جمعاء على الصليب وإذ كانت ختانته في اليوم الثامن أعلن لنا، في ذاته زمانًا جديدًا يتخطّى هذا الزمان: زمان الملكوت. آباؤنا، وكذلك نصوصنا اللّيتورجية، يشيرون إلى اليوم الثامن هذا باعتباره “رسمًا للدهر الآتي” (صلاة السَّحَر – الأودية الأولى). زمان هذا الدهر ممثّل بيوم السبت، أي باليوم السابع، أمّا اليوم الثامن فلا ينتمي إلى هذا الزمان . لذا اتّخذه آباؤنا علامة الدهر الآتي. هو الثامن لأنّه تخطّى زماننا المحصور في سبعة أيّام، وهو الأوّل لأنّه بداية الزمن الجديد.
ثمّ إنّ الرّب يسوع اتّخذ اسمه في هذا اليوم، الاسم الذي قال بولس الرّسول في رسالته إلى أهل فيليبي أنّ الآب السماوي أعطاه إيّاه “اسمًا فوق كلّ اسم لكي تجثو باسم يسوع كلّ ركبة ممّن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كلّ لسان أنّ يسوع المسيح هو ربّ لمجد الله الآب” (2 :9 – 11). يسوع معناه المخلّص، وهو علامة كلاميّة لحضور الله معنا وفيما بيننا. لهذا السبب لم ولن تكفّ الألسنة والأفئدة عن ترداد الاسم المبارك لأنّه استدعاء له وعيش فيه إلى أن يجيء في ملء حضوره في مجيئه الثاني. إنّه الآتي إلينا أبدًا. “أيها الرب يسوع المسيح تعال!” لذا نحسب اليوم أيضًا عيد اسم الرّب يسوع له المجد.